هل أنهت استقالة حمدوك الشراكة بين المدنيين والمجلس العسكري في السودان؟
بعد أشهر من التظاهرات والاحتجاجات، وأسابيع من المشاورات بين القوى السياسية والحكومة، قدم رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك استقالته، ليضع السودان أمام خيارات عديدة، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية في البلاد.
وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة في السودان، كشف محللون سودانيون، عبر حديثهم مع القاهرة 24، تداعيات استقالة حمدوك على المشهد السوداني، والسيناريوهات المطروحة في ظل تزايد الهوة بين الشارع والمكونات السياسية والمجلس السيادي، وكذلك التوقعات بالمزيد من الضغوط الدولية على الخرطوم.
خسارة كبيرة للسودان
أستاذة القانون الدستوري والدولي بجامعة النيلين، الدكتورة زحل الأمين، قالت لـ القاهرة 24، إن استقالة رئيس حكومة السودان عبد الله حمدوك لم تكن مفاجئة للشعب السوداني، خصوصا بعدما تردد قبل أسبوعين عن تلويحه باستقالته.
وأوضحت الأمين أن الاستقالة خسارة كبيرة للسودان، على الرغم من الاختلاف الذي حدث حول رئيس الوزراء بعد توقيعه للاتفاق السياسي مع قائد الجيش في الـ21 من نوفمبر 2021، التي بموجبها أحدثت انقساما كبيرا داخل الشارع السوداني، خصوصا من لجان المقاومة التي استنكرت هذا الاتفاق، ودعت إلى التعبير عن رفضه عبر الخروج بمليونيات متتالية.
وتابعت: استقالة حمدوك قد تزيد من ارتباك الشارع السوداني، في ظل وجود تزايد الانقسامات، لافتة إلى أن الاستقالة ستسرع بمزيد من التدخل من قبل المكون العسكري في الشأن السياسي السوداني، عبر اختيار رئيس وزراء جديد يتماهى مع المكون العسكري، رغبة في سد الفراغ السياسي الحاصل الآن، وسيتم تثبيت أقدام المكون العسكري، ومن ثم فإذا ما تم تعيين الحكومة الجديدة بهذه الصورة سيرتبك المشهد السياسي أكثر مما هو الآن.
القتل لا يزال مستمرا
المحللة السياسية السودانية انتصار محمد الطيب، وجهت في حديثها لـ القاهرة 24 الشكر للرئيس الوزراء عبد الله حمدوك على تقديمه استقالته، قائلة: إن الرجل قدم استقالته بطريقة مشرفة للغاية.
وأضافت السياسية السودانية أن حمدوك كان موجودا على رأس الحكومة، ولم يستطع تغيير أي شيء في مسار الثورة السودانية بقدر ما كان مطلوبا منه، فالقتل لا يزال مستمرا.
وتابعت: المحتجون عادوا إلى الشارع مجددا، رافعين شعارات بالمدنية والمطالبة بالتغيير الجذري، وأعتقد أن حمدوك والمجلس السيادي لن يقبلهم الشارع، فالتغيير والمطالب واضحة وهي حكومة مدنية.
سيناريوهات تنتظر السودان
وعن الضغوط الدولية والسيناريوهات التي تنتظر السودان بعد استقالة حمدوك، أشارت الطيب إلى أنها ستكون موجودة في المرحلة المقبلة، وأن البند السابع سيتم تفعيله من قبل الأمم المتحدة ضد الخرطوم.
استمرار النزاع بين السلطة المدنية والعسكرية
وقبل ساعات، وفي خطاب متلفز، قدم رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك استقالته، في خطابه تحديات المرحلة الانتقالية، وحمل مسؤولية ضعف الدولة خلالها لاستمرار النزاع بين مكونات السلطة المدنية والعسكرية.
وأضاف حمدوك، عبر خطابه، أن هناك صراعات عديدة بين مكونات الانتقال، مشددا على أنه حاول تجنيب السودان خطر الانزلاق نحو الكارثة، لافتا إلى أن الحوار هو الحل نحو التوافق لإكمال التحول المدني الديمقراطي.
وشدد رئيس الوزراء المستقيل على أن الأزمة الكبرى في السودان هي أزمة سياسية وتكاد تكون شاملة، وفق تعبيره، في حين أشار إلى أن الثورة ماضية إلى غايتها والنصر أمر حتمي، قائلا: "نلت شرف خدمة وطني لأكثر من عامين في واقع وعر المسالك".
كما دعا حمدوك المستثمرين لبناء شراكات تنموية مع السودان، معتبرا أن بلاده لا تنقصها الموارد ويجب ألا تعيش على الهبات.
انسداد أفق الحوار
على صعيد آخر، أوضح رئيس الحكومة السودانية المستقيل أن الاتفاق السياسي كان محاولة لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار، مؤكدا أنه حمل أفكارا لوقف التصعيد وإعلاء مصلحة السودان، معتبرا أن أفق الحوار انسد بين الجميع؛ ما جعل مسيرة الانتقال في السودان هشة.
وأكد أن قبوله التكليف بمنصب رئيس الوزراء كان بعد توافق سياسي، مشيرا إلى أن الأطراف بذلت جهدا لإخراج السودان من عزلته وإعادة دمجه في المجتمع الدولي، وأن الحكومة الانتقالية واجهت تحديات جسيمة أهمها العزلة الدولية والديون، وأنها تعاملت مع كافة التحديات.
الضغوط الدولية جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية بعد ساعات من تقديم حمدوك استقالته، من خلال وعيد وزير الخارجية أنتوني بلينكين بالتعامل مع من يعرقل مسيرة السودانيين نحو الديمقراطية.
إلى ذلك، حثت الولايات المتحدة السودانيين على تنحية خلافاتهم والعمل على تشكيل حكومة يقودها المدنيون، حيث قال مكتب شؤون إفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية، عبر حسابه الرسمي بموقع تويتر: "بعد استقالة رئيس الوزراء حمدوك، يتعين على القادة السودانيين تنحية الخلافات، والوصول إلى إجماع، وضمان استمرار الحكم المدني".
وأكد ضرورة أن يتم تعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء القادمين في السودان بما يتوافق مع الإعلان الدستوري وبما يلبي تطلعات الشعب للحرية والسلام والعدالة.
يذكر أن استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، جاءت بعد أشهر من الاحتجاجات العارمة والتي اجتاحت غالبية مدن السودان، وخلفت قتلى وجرحى، اعتراضا على الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها القوات المسلحة حينها وحُلت بموجبها الحكومة والمجلس السيادي، وأيضا رفضا للاتفاق الموقع مع حمدوك في 21 من نوفمبر، مع المجلس العسكري.
بينما أكدت لجنة أطباء السودان، أن 3 متظاهرين لقوا مصرعهم في أم درمان وأصيب العشرات، خلال الساعات الأخيرة، جراء استخدام الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.