مبادرة الأمم المتحدة للحوار.. هل تلملم جراح الانقسام في السودان؟ | تقرير
مع تزايد الانقسام السوداني، ووصول فرقاء الخرطوم لمرحلة الانسداد السياسي، لا سيما بعد تقديم رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك استقالته قبل أيام، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة سياسية لحل الأزمة السياسية واستعادة العملية الانتقالية في البلاد.
مبادرة الأمم المتحدة ودعوتها لحكومة مدنية مؤقتة، رآها البعض بطوق النجاة الذي قد ينتشل السودان من مستنقع الانقسام والفوضى، والذي يضرب الخرطوم منذ أكتوبر من العام الماضي.
وسائل عقابية
الخبير والمحلل العسكري السوداني، الرشيد محمد، قال لـ القاهرة 24، لقد تواصل الأمين العام للأمم المتحدة مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لكن حتى الآن لا يمكن فهم موقف الأمم المتحدة وتعاطيها مع المشهد السياسي السوداني خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فإذا نظرنا إلى موقف الأمم المتحدة خلال الأزمة الأخيرة والتي أعقبت صدور قرارات الفريق عبد الفتاح البرهان في أكتوبر الماضي، والذي قضى بموجبها عزل الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الحكومة المستقيل، وإبعاد قوى الحرية والتغيير من الجهاز التنفيذي، سنلاحظ أن الموقف الأممي كان متشددا وكان هناك لهجة من التهديد ورفع عصى العقوبات الدبلوماسية عن طريق وقف الإعانات، وغيرها من الوسائل العقابية.
وأكمل الخبير العسكري السوداني الرشيد محمد، حديثه: الآن بما أن الدكتور عبد الله حمدوك قد استقال ولم يقال، فهنا الصورة اختلفت، هنالك هدوء وتفاهمات إلى حد كبير، وبالتالي أن يتواصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة وكذلك التواصل الذي حدث من قبل وزارة لخارجية الأمريكية مع الفريق البرهان يؤكد وجود تفاهمات لما يحدث في السودان وأن هناك تطابق للرؤى حول ضرورة الحوار، باعتبار أنه هو المخرج الآمن من هذه الأزمة الحالية.
وتابع الرشيد محمد: مبادرة الأمم المتحدة وطرحها للوساطة في المشهد السوداني يفهم من خلال تفويض البعثة الأممية السياسية أنها لمساندة الانتقال الديمقراطي، إذن دور الوساطة هو دور مساند وليس هو إنابة عن الشعب السوداني، لأن الشعب السوداني هو المعني بتحديد خياراته، وآلية إنفاذ هذه الخيارات، وبالتالي لا أتوقع أن تكون هناك مبادرة مكتوبة كما جرى العرف عليها، ومن ثم قد تكون موجهات أو ربما مسهلات للأطراف السودانية.
الحركات المسلحة
ونوه الخبير العسكري السوداني إلى وجود ثوابت في المشهد السياسي السوداني، وهناك اتفاقات حولها، فقضية أن يتولى المدنيون رئاسة الجهاز التنفيذي، وكذلك قضية إنفاذ سلام دائم في جوبا، وكذلك قضية الانتخابات السودانية، فهذه القضايا الثلاث هناك إجماع حولها من قبل المدنيين والعسكريين وكل التيارات السياسية بما فيها الحركات المسلحة، لكن الخلاف هنا حول الآلية والطريقة التي يتم من خلالها تنفيذ هذه القضايا والاتفاقيات، وربما هذا هو دور الوساطة والتي تحتاج أن تعمل فيها عملا، خصوصا وأن اختيار رئيس محايد، وحكومة ذات كفاءات مستقلة غير حزبية يتطلب هذه الشورى.
وتابع محمد: طبعا المبادرة الأممية هي عامل مساعد وليس عاملا أخيرا، فتجارب الأمم المتحدة في مثل تلك القضايا في العالم العربي والشرق الأوسط في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الدول، هي تعمل للمساعدة، ومع ذلك لا يوجد أي حديث عن نجاحات أممية في تلك البلدان، وبالتالي فالحديث عن أي نجاحات لا بد أن يكون بأدوات داخلية مع مساعدة من المحيط الإقليمي والدولي.
وأنهى العسكري السوداني حديثه، الآن هناك تياران في السودان، الأول يعمل على التصعيد واستخدام كل الوسائل حتى الاحتفاء بالقتلى والدماء للوصول للحكم في مواجهة المكون العسكري، وهنالك تيار عقلاني يعمل على أن تكون هناك نقطة التقاء وحوار وتوافق وطني، وبالتالي قد تكون الغلبة لتيار الحوار الذي يأتي الآن بمساعدة وغطاء أممي يعبر بالسودان هذه المرحلة الحرجة.
قبول الدعوة الأممية
المحللة السياسية السودانية، انتصار الطيب قالت لـ القاهرة 24، إن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك جرب مثل تلك الوساطات والبحث عن الحوار ولم تنجح، لكن السؤال هنا: هل تستطيع الأحزاب السياسية الاشتراك في مثل تلك الحوارات، وفي نفس الوقت القتل لم يتوقف ضد المتظاهرين السلميين؟.. وبالتالي هنا تكمن الأزمة.
وأوضحت الطيب: هناك من يدعو القوى الثورية والأحزاب حول مبادرة جديدة، لكن إذا تواصلت الأحزاب وحدها سيكون خروجا عن النص، وإذا توحدت فعليهم أن يقدموا من سيمثلهم أمام الرأي العام.
وتابعت الطيب: من المهم أن يدعو المجتمع الدولي الآن لخفض التوتر وفتح أفق اتصالات في حالة الانسداد السياسي الحاصلة الآن، لكن الغريب أن الأمم المتحدة اختصرت أزمة السودان في كيفية التوافق على رئيس مجلس وزراء مدني ولم يتحدثوا عن منصب رئيس مجلس السيادة العسكري وهذا بمثابة انحياز إلى العسكريين، وبالتالي على قوى الثورة أن يقوموا بإحراج المجتمع الدولي بأن يقبلوا لهم وساطتهم للحوار، لكن في نفس الوقت يرفعوا السقف ليشمل ضرورة التوافق على شخصية مدنية لرئاسة مجلس السيادة.
وأنهت المحللة السوداني انتصار الطيب كلامها، المجتمع الدولي لا يعرف المدنيين بالسودان خصوصا في ظل التشظي والانقسام الحاصل الآن، ولا نلومهم على ذلك، لذلك حصرت الأمم المتحدة مشكلة المدنين فقط في اقتسام السلطة.
ترحيب لمجلس السيادة
من جهته، رحب مجلس السيادة الانتقالي، في بيان، بالمبادرة التي أطلقها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، كما أعلنت قوى الحرية والتغيير، استعدادها لدراسة المبادرة.
فولكر بيرتس
وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان نشر عبر صفحتها على فيسبوك، إنها لم تتلق حتى الآن أي تفاصيل حول مبادرة البعثة الأممية، مؤكدة أنها ستدرسها حال تلقيها بصورة رسمية وستعلن موقفها للرأي العام في حينها.
وقال المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، والقيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير، عادل خلف الله، في تصريحات صحفية، إن موقف حزبه ظل واضحًا ولم يكن في يوم من الأيام ضد الحوار الوطني.
ردود فعل دولية
وعن ردود الفعل الدولية حيال المبادرة الأممية، كانت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أعلنت التأييد الكامل للمبادرة الأممية لإنهاء الأزمة السودانية عبر الحوار السياسي بين جميع الأطراف.
وأعلن الدول الأربعة في بيان مشترك لها قبل يوم، دعوة الأطراف السودانية لاغتنام الفرصة لاستعادة العملية الانتقالية، مشيرين إلى تطلعهم بأن تنتهي تلك المبادرة بانتخابات ديمقراطية في السودان، وفقًا لوزارة الخارجية السودانية.
وكان أنطونيو جوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، دعا إلى حوار بين السودانيين، مشددًا على التزام المنظمة الدولية بدعم الفترة الانتقالية حتى الوصول للانتخابات، مؤكدا ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة مدنية.
مجلس السيادة السوداني
وكانت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة جاءت إثر تواصل الاحتجاجات من السودانيين، اعتراضًا على مجلس السيادة السوداني الانتقالي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورفضًا للاتفاق الذي وقعه عبد الله حمدوك رئيس الحكومة السودانية المستقيل، مع قائد القوات المسلحة في 21 نوفمبر الماضي.
ويعيش السودان على وقع أزمات اقتصادية وانسداد سياسي، لا سيما بعد استقالة رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك قبل أيام، والتي أعقبها احتجاجات متواصلة في أغلبية مدن السودان، أوقعت قتلى وجرحى.