اتنين قدام.. رحلة تحرش سائقين بفتيات في الكرسي الأمامي للميكروباص
مثل كل يوم، تعتاد الاستيقاظ في وقت مبكر، تذهب إلى عملها أو جامعتها أو أي وجهة تقصدها، تأمل في ألا يستبيح جسدها متحرش ولا تقابل مَن يتحسسها خلسةً، ولعل جرائم التحرش تقع يوميًا في وسائل المواصلات العامة بجميع أشكالها، ولكن تحديدًا يحمل "كرسي اتنين قدام" قصصًا مأسوية لكثير من الفتيات التي تلجأ لهذا الكرسي حتى تهرب من الجلوس بجانب رجل ما ويقرر التحرش بها دون أن يلاحظ أحد، وإذا حاولت أن تدافع عن نفسها، تتعرض للتهم.
فتاة التجمع الخامس
تختلف أعمارهن ولكن يجمعهن اختيارهن لـ"كرسي اتنين قدام" كي يواجهن مصائر تُحفر في الأذهان طيلة حياتهن، فمنذ فترة ليس ببعيدة، أثارت قضية فتاة التجمع الخامس جدلًا واسعًا عبر منصات السوشيال ميديا، حيث وثّقت الفتاة خلال جلوسها على ذات الكرسي تعرضها للتحرش من قِبل سائق الميكروباص في أثناء ذهابها إلى الجامعة.
وأوضحت الفتاة لوسائل إعلامية فيما بعد أن السائق حاول أن يمسك بيديها أثناء دفعها للأجرة، متابعة: بحكم إني راكبة جنبه قدام، لمس جسمي أكتر من مرة.
جدير بالذكر أن آلاف الفتيات تواجه التحرش من السائق خلال جلوسها على مقعد اثنين بـ الأمام، سواء من قبل السائق أو حتى شخص ما من الخلف.
تحرش لم يُمحَ من الذاكرة
تروي فتاة، رفضت ذكر اسمها لـ القاهرة 24، حكايتها مع كرسي اتنين قدام، حيث قالت: حينما كنت في الـ15 من عمري، كنت أستقل الميكروباص وأجلس بالأمام، وفقًا لتعليمات أمي المريضة غير القادرة على توصيلي إلى مدرستي البعيدة، وبالطبع مثل أي أسرة يكون الوالد في العمل منذ الصباح.
اركبي الكرسي قدام عشان محدش يقعد جنبك ولا يحتك بيكي.. بهذه الكلمات كانت النصيحة الدائمة كلما توجهت إلى مدرستي، واعتدت الأمر إلى أن أصبح طبيعيًا، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي لا زال في ذاكرتي حتى الآن.
تقول الفتاة، 26 عاما حاليًا: ذات يوم لاحظت السائق يتحرك بـ الميكروباص بمفردنا، ولم يأتِ أحد كالعادة، وحينما استفسرت عن الأسباب قال لي: هحمل من الطريق.
لم تمر إلا لحظات قليلة حتى بدأ يتحسس جسدي ويضع يده وراء ظهري بحجة التأكد من غلق الباب بإحكام، ولكنه كررها مرارًا وشعرت بأصابعه وهي تلمس جسدي بشكل واضح؛ الأمر الذي بث الخوف داخلي وتلجم لساني، ولكن دموعي كانت المعبّر الوحيد لما أتعرض له.
أكملت حديثها: بكل أسف لم أستطع الحديث لأني كنت صغيرة في السن، بدأ التحرش بيّ بشكل واضح، وأصبحت يداه في كل مكان بجسدي حرفيًا، شاملًا مواطن العفة التي لا يمكن ذكرها، وبمجرد وصولي إلى المدرسة نزلت من العربة في حالة انهيار تام، ولم أستقل تلك العربة البشعة مرة أخرى، ويا ليتني لو أستطيع أيضًا محو ذلك اليوم من ذاكرتي.
ركوب الميكروباص ليلًا
سارة، اسم مستعار، تنتهي جامعتها في الثامنة مساءً في بعض أيام الأسبوع، فهي تحضر محاضرتها وأيضًا المحاضرات الإضافية التي تكون في مكان صغير بجانب الجامعة يحمل المذكرات وكل ما يلزم لـ ليلة الامتحان.
وكما هو المعتاد، انتظرت فور خروجها من الجامعة ليلًا عربة كي تصل بها إلى بيتها، وبقواعد الفتيات المعروفة، لا بد من إلقاء نظرة على ركاب الميكروباص، فإذا كانوا جميعهم رجالا يُفضل انتظار ميكروباص آخر.
قالت سارة إن العربة كان بها نساء وأطفال، هذا جزء من الاطمئنان نوعًا ما، كل شيء كان يمر طبيعيًا إلى أن لاحظت يد السائق تلمس يديها، وقد لاحظت عليه ثقلًا في اللسان وهو يقول: من يد منعدمهاش، وكانت عيناه مغلقتين قليلًا ويبدو عليه أنه مُتعاطٍ شيئًا ما.
كان ذلك الموقف كافيًا لاستحضار ضربات القلب بسرعة، فقضت سارة طوال الطريق بين نظراته الخادشة عليها التي كانت تلمس جسدها دون يدين، لم تشعر بحالها إلا وهي تصرخ بوجهه كي ينزلها على الطريق، ورغم شعور الركاب أنها تتعرض لمشكلة ما، لم يتدخل أحد.
فسخ خطبة بسبب التعرض لـ التحرش
رغم قبولها للشاب الذي تقدم لخطبتها منذ أسبوعين وشعورها ناحيته الراحة والانجذاب، فإن "كرسي اتنين قدام" كان سببًا غريبًا للانفصال وعدم اكتمال قصة الحب التي كانت على وشك البدء.
روت ياسمين، اسم مستعار، التي تعمل في صالة رياضية تبعد عن البيت قليلًا: إن شابًا ما تقدم لخطبتها بعدما سمع عن حُسن أخلاقها وسلوكها، وتضيف: كان من عائلة محترمة شعرت تجاههم بالارتياح، وتمنيت لو أنه الرجل الذي أبحث عنه طوال حياتي، فأنا أبلغ من العمر 30 عاما، وأصبحت في نظر الآخرين عانس".
كان كل شيء يبدو جميلًا، حتى جاء اليوم المعتاد الذي أذهب فيه إلى صالة الـ جيم، فأحضر أشيائي وأرتدي ملابسي الرياضية أسفل العباءة السوداء، والحقيبة ذات الذراعين وراء ظهري، وأستقل ميكروباص على أول الشارع، وبالطبع أجلس في الكرسي جانب السائق حتى لا يجلس أحد جانبي.
وأكملت ياسمين حديثها: بالطبع يحتاج السائق بالإمساك بالـ"فتيس" للتحكم في اتجاهات الطريق، ولكنها فرصة ممتازة للاحتكاك بفخذ من يجلس بجانبه دون أن يشعره بأنه يتحرش به أبدًا.
وبعد تكرار الفعل بشكل واضح، وبطبعي فتاة رياضية تلعب ألعاب قوى، فلن أسمح أن يمر ذلك دون أن يأخذ المتحرش نصيبه من السُباب وبعض اللكمات؛ الأمر الذي أدى إلى فوضى شديدة في العربة وسط تكرار القسم بأنه لم يقصد شيئًا مما أحسست به، حتى إن الركاب كانوا يحاولون تخليصه مِني.
رغم شعوري بلذة الانتصار حينها وأني لستُ مثل بقية الخائفات ممن يتعرضن إليه يوميًا، فإن خطيبي الذي كان ينتظرني عند مكان عملي باتفاق بيننا ليعرفه ويطمئن عليّ، الذي شهد جزءًا من الموقف خلال نزولي من الميكروباص حينها، كان له رأي آخر، فهو ترك موقفي واعتراضي على السائق المتحرش وكيلي له الكلمات واللكمات محاولة للاقتصاص منه، وكان من رأيه أن الفتاة المهذبة لا ينبغي بأي حال أن يعلو صوتها في الشارع.
سائق الميكروباص يتقدم لخطبة ركابه
وفي قصة شبيهة لرواية ياسمين، تقدم شاب لـ آية، اسم مستعار، خلال جلوسها بجانبه في الميكروباص، فكان السائق الذي يجلس بجانبها قد أُعجب بها من المرة الأولى، وطلب منها هاتف والدها كي يحكي له عن ظروفه المادية وكيف تتقاسم الورديات بينه وبين زملائه بموقف الميكروباص، وعليه سيجلب لابنته كل ما تحتاجه، حسب حديثه معها خلال توصيلها إلى مشوارها في الـ10 صباحًا.
تسأل آية متعجبة: ما الذي رآه بي خلال جلوسي بجانبه ودفعه إلى التقدم لخطبتي، فهو لم يعرف اسمي ولا من أين أتيت، بل إن مجرد راكبة من ضمن عشرات يقابلهن يوميًا، ولكن ذلك نوع آخر من الأحاديث التي يفتحها السائقون لكل فتاة تجلس بجانبهم.