الخرطوم لا تزال مشتعلة.. هل تنجح مبادرات الحوار في وأد الفوضى بالسودان؟
مبادرة وراء أخرى أملا في حل الأزمة السودانية المستعصية والتي دخلت مراحلها الحاسمة، فمن الأمم المتحدة وصولا للاتحاد الإفريقي، ما تزال دولة السودان مشتعلة وعاجزة عن لم شمل فرقائها، على خلفية استمرار الاحتجاجات التي تضرب الخرطوم منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن.
وتستمر المساعي الإفريقية لحل الأزمة السياسية في البلد العربي، بالتزامن مع المبادرة الأممية التي يرعاها المبعوث الأممي في البلاد فولكر بيرتس.
التحركات الإفريقية والأممية ثمنها مراقبون سودانيون، مؤكدين حرص الاتحاد الإفريقي على لملمة جراح الشارع السوداني المشتعل.
فشل قوى الحرية والتغيير
المحلل السياسي السوداني أبو القاسم إبراهيم آدم قال لـ القاهرة 24، إن ما يحدث في السودان مؤسف جدا، فالسودان بعظمته وتاريخه الكبير غير قادر على معالجة مشاكله السياسية والأمنية الخاصة به، الأمر ينذر بعدم التفاؤل لافتقار الخرطوم للقيادات السياسية التي تعبر به إلى بر الأمان، خصوصا في ظل وجود قيادات سودانية مؤثرة في المشهد العربي والإقليمي.
وتابع: للأسف قوى الحرية والتغيير فشلت تماما في إنتاج قادة سياسيين على قدر المسؤولية في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها السودان، موضحا أن فشل كل المبادرات الوطنية والحلول السياسية دليل على امتلاء الساحة السودانية بالمخابرات والأجندات الأجنبية، في ظل بحث كل طرف على تحقيق مصالحه الخاصة، وبالتالي ازدادت التدخلات الخارجية، الأمر الذي يتيح المجال أمام تلك الأجندات للتدخل أكثر في الشأن السوداني.
وأضاف: هناك أجندات خارجية لا تريد الاستقرار للسودان، بل تسعى ليكون السودان مثل العراق واليمن وغيرها من البلاد التي نهبت ثرواتها من خلال تدخلها في صراعات وحروب أهلية طاحنة، وبالتالي فهذا السيناريو يتم رسمه لبلادنا طمعا في مواردنا، وبالتالي فإن هذا المخطط لا تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير، ومن ثم نشطت بعض الدول الأوروبية في الترويج إليه.
مبادرات الاتحاد الإفريقي
ونوه المحلل السياسي السوداني أبو القاسم إبراهيم، بأن دخول الاتحاد الإفريقي على خط المبادرات الداعية للحوار جاء بطلب من المجلس السيادي السوداني، وذلك حينما أعلن المكون العسكري قبوله بمبادرة فولكرز دعيا لإشراك الاتحاد الإفريقي في المبادرة، الأمر الذي يشير إلى وجود وعي سوداني بضرورة حل المشاكل السودانية داخل البيت الإفريقي، مضيفا أن التدخلات الأجنبية ستفرض على الممانعين للمبادرة بقبول الحوار عبر الأمر الواقع والدخول إلى قاعة التفاوض، ومن ثم ستكون هناك تسوية سياسية بين بعض الأحزاب والمكون العسكري.
وأشار إبراهيم إلى أن المبادرة الإفريقية والأممية قد تنجح في ظل ضعف الأحزاب السياسية، والتي ليس لها قاعدة جماهيرية على الأرض، خصوصا في ظل تعطش تلك الأحزاب للسلطة، قائلا: إن تلك الأحزاب تريد أن تخرج بمكاسب حقيقية سلطوية.
وأضاف أن 70 بالمائة من الشباب في الشارع ليس مع قوى الحرية والتغيير، بل اتهم تلك الأحزاب بضياع الثورة، لذلك فالتدخلات الأجنبية إن أرادت أن يصل السودان إلى اتفاق فستستطيع تحقيق ذلك لما لها من قدرة فعلية ولا تحتاج لجهد، فبمجرد إعطاء توجيهات للقوى السياسية السودانية للانخراط في الحوار سيحدث ذلك، خصوصا وأنه لا سبيل لتلك القوى أن ترفض الحوار، فالمجلس العسكري لديه السلطة واتخاذ القرار في أي وقت، وبالتالي لا بد من التفاوض ولا سبيل سوى الحوار والوصول إلى اتفاق سياسي.
حلحلة الأزمة السودانية
الصحفي السوداني أحمد الفاضل قال لـ القاهرة 24، إن كثرة المبادرات الأممية والإفريقية لفرقاء السودان يمهد لقرب حلحلة الأزمة والتي دخلت إلى نفق مظلم عقب استقالة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، مضيفا أن استمرار الاحتجاجات سيصل بالخرطوم لطريق مسدود قد يصعب فتحه إلا بالمزيد من القتلى والجرحى.
وأوضح أن الشارع السوداني ينتظر ويترقب ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات الأخيرة التي يجريها الممثل الإفريقي، خصوصا مع تزايد الانقسام السياسي بين المكون العسكري والمدني، وبالتالي لا يستطيع أي شخص التنبؤ بما سيحدث مستقبلا.
وتابع: الاهتمام الأممي بالأزمة السودانية يأتي في ظل شعور أمريكا والغرب وتخوفها من تفاقم الأزمة والتي قد تصل لحرب أهلية إذا ما استمرت الاحتجاجات واصطدمت بالجيش بشكل أكبر.
وقبل ساعات، شدد مبعوث الاتحاد الإفريقي مفوض السلم والأمن، أديوي بانكولي، على أهمية التمسك بالحوار بين كافة الفرقاء من أجل الوصول إلى حل سياسي للمأزق الذي غرقت فيه البلاد خلال الفترة الأخيرة.
ودعا إلى استمرار النقاش والتواصل بين مختلف الأطراف السودانية للتوصل لأرضية مشتركة تجعل من حل الأزمة أمرا ممكنًا، حسب ما أكد مجلس السيادة في بيان اليوم، عقب لقاء بانكولي بعضو مجلس السيادة مالك عقار.
كما أوضح البيان أن الطرفين بحثا الأوضاع السياسية بالبلاد والجهود المبذولة لتجاوز التطورات الراهنة.
أصحاب المصالح
إلى ذلك، أكد المبعوث الإفريقي، أن اللقاء يأتي في إطار مساعي الاتحاد للجلوس والاستماع لأصحاب المصلحة بشأن الوضع الراهن في السودان.
على صعيد متصل، أشار المبعوث الإفريقي إلى اللقاءات التي أجراها مع رئيس مجلس السيادة وعدد من المسؤولين بالدولة، تهدف لدعم الحوار والسلام في البلاد، مؤكدا أن رسالة الاتحاد الإفريقي واضحة ألا وهي دعم المصالحة السودانية.
كما أوضح أن اللقاءات التي أجراها مع رئيس مجلس السيادة وعدد من المسؤولين بالدولة تهدف لدعم الحوار والسلام في البلاد
وكان بانكولي التقى أول أمس أيضا رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، وسلمه رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، تتضمن رؤية المفوضية للحل وسبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.
واقترحت قوى الحرية والتغيير في ردها على مبادرة ممثل الأمم المتحدة بالسودان، فولكر بيرتيس، ضم كل من الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، إلى جانب تمثيل لدول الجوار الأفريقية والعربية التي تجمعها مصالح مشتركة مع السودان، على أن تتولى الأمم المتحدة عبر ممثلها في الخرطوم مقررية الآلية.
وقالت قوى الحرية والتغيير في الرد الذي سلمته لبعثة يونتامس بالخرطوم، إن الآلية المقترحة تهدف إلى تقوية المبادرة الأممية وتوسيع قاعدة دعمها وتمكينها من إحداث الاختراق الذي يمكنها من بلوغ غاياتها وتزويدها بالضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجاتها النهائية.
وأشارت إلى أن الأطراف المستهدفة بالمشاورات الأولية يجب أن تنحصر في كل من قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة، وقوى الكفاح المسلح الموقعة وغير الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والقوى السياسية التي كانت جزءا من الحرية والتغيير وخرجت في وقت سابق.
ويعيش السودان على وقع أزمات اقتصادية وانسداد سياسي، لا سيما بعد استقالة رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك قبل أسابيع، والتي أعقبها احتجاجات متواصلة في أغلبية مدن السودان، أوقعت قتلى وجرحى.