المقارنة بين يناير ويناير
مع كل احتفال بثورة 25 يناير وعيد جهاز الشرطة المجيد، تهب علينا نوات وزعابيب الكراهية والغضب من كارهي هذا الوطن والحاقدين عليه، جلهم للعلم يعيش ويقيم ويهاجم من الخارج، وحقيقة أي شخص ينتقد أو بالأدق يهاجم بلاده وهو يعيش مترفًا مرفهًا بعيدًا عن الأرض والناس الذين ولد وتربي وعاش بينهم وعليها اعلم أنه أفاق وكاذب، ولنا في وطنيينا الكبار العبرة والموعظة بداية من البطل محمد كريم والزعيمين مصطفى كامل وسعد زغلول وحتى بسياسيي الخارج كغاندي والمحنك الأشهر منديلا، الذي عاش أكثر عمره بسجون بلاده، ولم يفكر يومًا في الهرب أو السفر للخارج بالرغم من الظهير الشعبي والجماهيري والدولي الذي كان يحظى به.
الخطة المحبوكة
.. إذا فأمر محبة الوطن والنضال والانتماء الحقيقي من أجله محسوب ومحسوم، خصوصًا وأن البداية المعتادة المتكررة تكون دائما بتسريب أحد مناضلي أو بالأدق أفاقي الخارج لفيديو ـ لا تعلم من أين وكيف وصل له ؟!ـ عن تعذيب أو تسجيل فاضح لأحد قادة أو أبناء الدولة المحسوبين على مصر، والذي هو غالبًا إما ينتمي لجهة أو جهاز سيادي أو مقرب من دائرة الحكم، لتتلقف في كل مرة هذا التسجيل وهذه الفيديوهات المفبركة بعض القنوات والمحطات الفضائية، إذ هي خطة محبوكة محسوبة وتسلسل زمني منضبط تؤديه هذه الفرقة وهؤلاء الكورس بأداء متناغم تم التدرب والتمرن عليه مسبقًا.
موسم المقارنات والمنازلات
لتبدأ مواسم المقارنة ومناظرات المنازلة بين ينايرين؛ يناير ثورة 25 ويناير شهداء جهاز الشرطة بالإسماعيلية ضد المحتل الإنجليزي ـ وحقيقة الخلاف بينهم لم ولن يكون كبيرًا، فالاثنان كانا من أجل الحرية والكرامة الوطنية والاثنان سُطرا بتاريخ الشرف لإنسان مصر ولنضال الحق، ولكن هي مقارنات ومنازلات تفوح منها رائحة الكراهية والغل والغيرة من وطن عريق شامخ، وطنٍ مؤسساته وحدها أعرق من بلاد ودولٍ ولدت بعدها بكثير، والمستفيد الوحيد من هذه المقارنات والمنزلات هم المتربصون بأمن الوطن من أعداء مصر، ونحن هنا لسنا أمام وجهتي نظر بل نحن أمام محاولة لصناعة عراك وهمي وشق الصف الوطني بدعوى الرأي والرأي الآخر، وهذا بالطبع كذبٌ بين، فالمعارضة الحقة نبل لا تكدير لصفو حياة ومعيشة الناس، إذًا فهي محاولات بائسة يائسة على طريقة اللعب بورقة الفتنة الطائفية..
التاريخ يتكلم
بدأت فكرة ونواة وزارة الداخلية المصرية عام 1805 عندما أنشأ محمد علي باشا ديوان الوالي لضبط الأمن في القاهرة، وفي 25 فبراير 1857 عرفت بما يسمى نظارة الداخلية، ثم تحولت إلى وزارة ورأسها تحسين باشا رشدي أول وزير داخلية مصري، ولا ينافس بدء تأسيس جهاز الشرطة عراقة وفخرًا بالتاريخ المصري العربي سوى تأسيس وإنشاء أول مجلس نيابي في العالم العربي وإفريقيا بصدور مرسوم الخديوي إسماعيل في عام 1866 بإنشاء مجلس شورى النواب.
تم تبعه تاريخ من العراقة والشرف أيضًا وهو بدء تأسيس وإنشاء أول مدرسة للشرطة بالعام 1896 بستة عشر طالبًا فقط، ثم أخذت في التطور حتى وصلت لما هي عليه الآن، وللعلم في العام 2010 حصلت أكاديمية الشرطة المصرية على المستوى الثالث في العالم، من حيث الترتيب العلمي والتدريبي ومنشآتها والأولى من حيث المساحة وعنصرها البشري..!!!
مصر تتغير والشرطة أيضًا
وينتمي لجهاز الشرطة وهذه المؤسسة العريقة ما يقترب من الـ 40 ألف ضابط كلهم من خريجي هذه الأكاديمية الشامخة العريقة، كما أن جلهم من أبناء عائلات مصرية عادية أو ميسورة الحال، عائلات هي في الغالب صلب الطبقة الوسطى بمصر، هذه الطبقة التي تعد الحاضنة لكل القيم وأخلاقيات ومُثل المجتمع الصحيحة، إذًا فأبناء هذه الطبقة وجل هؤلاء الضباط هم المسئولون عن الحفاظ على قيم المجتمع وهويته، بل وتطويره وتحديثه أيضًا، لذا فإن أي تجاوز لرجال الشرطة لا شك أنه من قبل الخطأ الفردي المسئول عنه صاحبه وحده وليس منهاجًا أو أسلوب عمل، خصوصًا وأن أكاديمية الشرطة المصرية أحد مفاخر الوطن وأهم المؤسسات الشرطية بكل الدنيا بشهادات دولية لا مجاملة ولا محابة فيها.
كما أنه يجب علينا أولًا أن نسأل أنفسنا سؤلًا واضحًا يُحكم فيه بالعقل والمنطق والحساب، عن عدد ومعدلات الانحراف والتجاوزات الوظيفية بين رجال وأبناء جهاز الشرطة المصرية، هل هذه الأخطاء تتجاوز الواحد في المائة !!؟ بالتأكيد لا، وحتى فرضًا وإن تجاوزت ووصلت هذه الحالات لواحد في المائة فهل هذا مبرر لأن ننسى شهداء الشرطة الأبرار الذي يزفون للسماء كل يوم ومعهم الشرفاء من رجال الأمن وهم لا شك بعشرات الآلاف، وأنا هنا لا أبرر أو أدافع عن منحرف أو فاسد بل علي العكس أطالب بأقصى عقوبة لأي انحراف، خصوصًا في جهاز حساس يتفاعل ويحتك بالناس بشكل دائم ولحظي ويعلم جيدًا مشكلاتهم وأناتهم، ولكن في النهاية يحب أن ندرك ونعي تمامًا أن فساد أو غباء أو ضلال عنصر لا يعني أن نحرق الأرض بمن عليها، خصوصًا وأن الانحرافات المهنية الوظيفة موجودة وتتكرر وستتكرر للأبد بكل وظيفة ومهنة.
وكلية الشرطة يتقدم لها كل عام عشرات الآلاف من الطلاب يُقبل منهم في المتوسط 2500 طالب وهؤلاء الشباب الصغار يوقعون مع دخولهم لهذا المبنى العريق على صك بالشهادة في سبيل الله والوطن، وهو ما لا يدع مجالًا للشك في حسن النوايا ونبل الهدف، كما أن طبيعة وتفكير مصر الرسمية الآن يتغير فلأول مرة بتاريخ الريف والفلاح المصري يظهر على قمة الهرم السياسي رجل لا يتعالى، ويهتم ويخصص مبادرة باسم حياة كريمة لتحقيق نقلة نوعية وكبرى لهذه الشريحة الهائلة المنتجة صانعة الحضارة الحقيقية لهذا الوطن، هذا بالإضافة للسعي للتصنيع وخاصة التصنيع العسكري المتقدم، إذًا نحن أمام وطن تتغير فيه البوصلة وطبيعة التفكير وشكل الهدف وبالتأكيد يتغير معه رجال الشرطة أيضا والذين هم أغلبهم من أبنائنا الشرفاء.
دولة الأمناء
وحقيقة جل الانحرافات التي تنسب لجهاز الشرطة يكون السبب فيها بعض من أمناء الشرطة غير المسئولين وغير المؤهلين للعمل الأمني والشرطي، والذين هم في الغالب فئة من الساخطين المتعالين على الجماهير تملأهم الغيرة من زملائهم بمحيط عملهم وأغلبهم للأسف لديه إحساس مزيف بأنه كل شيء..!!؟، وحقيقة غالبًا ما يتكرر بداخلي سؤال أزلي دائما ما يطرح نفسه، ألا تستقيم الحياة الشرطية بلا أمناء الشرطة..!!؟، بالتأكيد لست خبيرًا أمنيًا ولكني أرى السخط الشعبي بكل مكان كل يوم من هذه الشريحة من رجال الأمن، ولا أعرف لماذا لا يستبدلون بفئة من الحاصلين علي المؤهلات العليا يتم تدريبهم وتأهيلهم على العلوم الأمنية، لا شك سيكون الفرق كبيرا وملحوظا وبسرعة سواء في تنفيذ القانون أو في التعامل مع الجماهير..
عام الشرطة المصرية
تقلصت الفجوة بين الجماهير والشرطة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، وخطا كل منهما عدة خطوات باتجاه الآخر، فالناس آمنت بقيمة وأهمية الشرطة في حفظ الأمن وبعث الطمأنينة، وأدركت حجم المؤامرة التي حيكت باقتدار، والشرطة أيضًا أدركت جهنمية اللعبة وهدف هؤلاء الكارهين من النيل منهم ومن وطنهم، وهو ما دفعهم للقيام بمشروعات اجتماعية هادفة كمنافذ أمان، وهي خطوة مهمة حققت صدى بكل بيت وأسرة مصرية، ولا ينقصها سوى أن تكون موجودة بصلب كل حي وقرية بسيطة لا مجرد منافذ وأكشاك منتشرة بالميادين، خصوصًا أن مصر الكرامة مصر 2030 لا يستقيم أن يقف أبنائها أمام منافذ وأكشاك بالشارع ليحصلوا على قوتهم واحتياجاتهم الغذائية والأفضل أن نذهب إليهم ونتعاون مع الجمعيات والتعاونيات الموجودة بكل شبر مصري للنشر الأمن والغذاء معًا..
وسط هذا التاريخ الطويل من العمل المؤسسي والأمني العريق، أنادي بعام للشرطة المصرية، عام يكون به حدث ضخم Big Event، نحتفي فيه بمؤسسات الشرطة وبتاريخها العريق، وبكفاح الشرفاء والنبلاء الشهداء من أبنائها
أحمد زى إزدحمد
وحقيقة أصبح شعب مصر الآن أكثر وعيًا واستنارة، ولا يبقى إلا بعض جهد قليل للتوعية بأن الفارق بين يناير 25 ويناير عيد الشرطة لا شيء، وأن المشكلة هناك تكمن في عقل الكارهين والحاسدين لهذا الوطن، وأن فعل الكرامة والوطنية لا يعرف فارقًا خصوصًا إن كان الهدف واحدًا والبوصلة مصر، وقديما قال آباؤنا وأجدادنا.. أحمد زي إزدحمد..