تكلف الدولة 8 مليارات سنويا.. هل تغليظ عقوبة ضرب الزوجات يُقلص الخسائر الأسرية والمادية؟
"جوزي بيضربني ضرب مبرح على أسباب تافهة وبيشتمني بالأب والأم"، "أنا جوزي وقت الغضب بيضربني لغاية ما جسمي ينزف دم من كتر الضرب".. نموذجان من آلاف شكاوى الضرب الذي تتعرض له الزوجات من أزواجهن، وتنتشر عبر كثير من الجروبات النسوية المغلقة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
بخلاف الجروبات النسوية المغلقة عبر موقع فيسبوك، شهدت قضية ضرب الزوج لزوجته جدلا كبيرا خلال الأيام الماضية، أطرافها الأزهر الشريف من ناحية والمجلس القومي للمرأة والداعية إسلام البحيري من ناحية أخرى.. بدأت القضية عندما ناقش الإعلامي عمرو أديب خلال إحدى حلقات برنامجه الحكاية، مشروع قانون لتغليظ عقوبة تعدي الزوج على زوجته بالحبس مدة لا تزيد على 5 سنوات.
عرض أديب تصريحات سابقة للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قال فيها إن علاج النشوز كما بيّنه القرآن 3 أنواع، آخرها حتى لا تغرق الأسرة أو تهلك، هو الضرب، وقال الداعية إسلام بحيري، خلال مكالمة هاتفية، إن نشوز المرأة المذكور في سورة النساء "يتحدث عن الخيانة الزوجية ولا علاقة له بالمرأة والتأديب والتهذيب"، لافتًا إلى أن "الزوجة ليست تلميذة في المدرسة والزوج ليس ناظرًا.. كلام شيخ الأزهر خاطئ وضد الدستور".
مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، قالت إن العنف ضد المرأة لا مجال فيه للرأي والرأي الآخر، لأن التحريض على العنف ضد المرأة يتعارض مع الدستور"، موضحة أن كلمة تأديب غير موجودة في القانون أو الشريعة.
8 مليارات سنويا
تتحمل الدولة 8 مليارات جنيه من ميزانيتها، لمعالجة ظاهرة العنف ضد المرأة، وفقا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر خلال 2015، وأظهرت نتيجة المسح أن 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من العنف على يد الزوج أو الخطيب سنويا، وأن مليونين و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، بالإضافة لمليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج.
القاهرة 24 بحثت أكثر في أبعاد الموضوع من الناحية الشرعية والقانونية لفك التداخل والتشابك حول القضية.
الأزهر لم يأمر بضرب الزوجة
يقول دكتور عطية عبد الموجود لاشين، عضو لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر، إن الإسلام لم يأمر بضرب المرأة من قبل زوجها، ولكنه أباح ذلك إذا تعين ذلك وسيلةً لإرجاع الزوجة عن نشوزها، والضرب الذي أباحه الإسلام له شروط: أن لا يؤثر أي ألا يترك أثرا على الموضع الذي ضربت عليه المرأة، وألا يدني وألا يكون على الوجه، وألا يكون على الرأس، حتى انتهى أهل العلم قاطبة قالوا كأن يضربها بمسواك في يديه أو بطرف ثوبه أو بطرف منديله، هذا هو الضرب الذي يرجع به العلمانيون والمارقون اللائمة على الإسلام ونقول لهم قل أنتم أعلم أم الله.
مفهوم النشوز بالقرآن
وأوضح عبد الموجود لـ القاهرة 24، أن النشوز هو خروج المرأة عن طاعة الزوج، "يقول لها شمال تقوله يمين ويقولها يمين تقوله شمال"، أي أن تعصي أوامره المباحة، وليس أوامره التي ليس بها معصية، وأن ترفع صوتها عليه، وأن تخالفه في كل شيء، ذلك الذي ورد في قول الحق سبحانه "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" وذكر بالآية مراحل العلاج بالتدريج: فعظوهن واهجروهن في المضاجع، واضربوهن. آخر دواء.
وعرّف الدكتور محمد عبد العاطي عباس، عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر، الناشز بأنها التي تتصرف تصرفا لا يُرضي الله عز وجل ولا رسوله، ويكون سببا في هدم البيت كالعناد، كأن تسرق زوجها أو لا تصون عرضه أو لا تحسن ضيافة أضيافه، أو تسيء إلى أمه وأخواته ولا ترضى أن تضيف عندها حماها وحماتها.
وتابع عباس: وكذلك المرأة التي لا تحسن خدمة الزوج، والخدمة هنا ليس معناها أن الزوجة تكون خادمة، فالزوجة مكرمة مصانة عفيفة كريمة والقرآن الكريم بيّن فضلها على الزوج وفضل الزوج عليها، لكن المقصود أن تكون العشرة طيبة وأن تكون هناك حميمية بين الاثنين، وأيضًا ألا تتمنع المرأة إذا أرادها زوجها دون سبب، لكن إذا كان بسبب مرض أو مشغولة بفقد عزيز لديها أو عندها مشكلة في عملها ومزاجها متعكر فلا جناح عليها، لكن إذا فعلت ذلك بنية تأديبه فهذا نشوز.
النشوز ليس ميل الزوجة لطرف ثالث خارج المؤسسة الزوجية
ونفى عبد العاطي صحة تعريف إسلام البحيري للنشوز في مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب، بأنه ميل الزوج أو الزوجة لطرف ثالث خارج المؤسسة الزوجية، موضحًا بقوله أن هذا الكلام لم يقله أساطير العلماء المفسرين القدامى والمحدثين وكذلك لم نقرأه في ابن كثير ولا القرطبي ولا الطبري ولا حتى في الرازي ولا الشيخ الشعراوي ولا الشيخ سيد طنطاوي ولا عند أي حد من العلماء المعتبرين هذا اختراع اخترعه.
الإسلام مواكب لجميع الأزمنة.. كيف يرى أصحاب رأي تهذيب المرأة الناشز هذا العصر؟
وأوضح عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر، أن الله عز وجل بين لنا أن المرأة الناشز يعامل مها معاملة خاصة أولا أن يعظها الزوج، والوعظ كلام رقيق طيب وسلوك حسن فإن لم تمتثل للوعظ فالهجر في المضجع فإن لم تمثل بالهجر في المضجع فبالضرب المشروط.
وأردف قائلا: إذا أراد الزوج أن يحافظ على بيته وأسرته، أن يحافظ على هذا الكيان المهم الذي هو لبنة من لبنات المجتمع، فإذا ما وجد من امرأته التي تريد أن تهدم البيت بتصرفاتها شيئا ممكن أن يؤثر في هذا البناء الطيب الذي بنى على الكلمة الطيبة وعلى الخلق الحسن وعلى أمانة الله عز وجل فللزوج أن يعظها، مشيرا بقوله أن الآية لم تحدد مدة العظة بيوم أو شهر أو سنة أبدا لذلك ممكن يعظها العمر كله، فإذا امتثلت لهذه العظة فالحمد لله رب العالمين هذا هو الهدف أن ترجع الزوجة إلى هذه الأسرة وإلى بنائها.
وتابع الدكتور محمد عبد العاطي عباس: إذا لم ينفع العظة قالوا يهجرها في المضجع، والهجر في المضجع هو عبارة عن تصرف كنائي عن عدم رضا الزوج عنها، يعني كون الزوج يهجر زوجته في المضجع كأنه يقول لها أنتِ فعلتي فعل أغضبني ولا أستطيع أن أتصرف معك تصرف الحبيب لحبيبته فقط لا غير، وليس المقصود بها الإيذاء أو الإيلام، لكن المقصود بها التأديب وأن تعلم الزوجة أنها تصرفت تصرفا مع زوجها جعلته يغضب منها غضبا شديدا، وإذا لم يؤثر الأمر الثاني فيها ولم تتعظ به، قالوا بدلا من أن يخرب البيت وبدلا من أن يهدم الأسرة ومن أن يلقى عليها يمين الطلاق يستخدم وسيلة أخرى هو أن يضربها، ومعنى الضرب هنا أن يدفعها بيده أو يبعدها عنه أو إذا جاءت لتكلمه أشاح بوجهه عنها، لكن ليس معنى الضرب أن يكسر عظما أو رأسا.
وأشار عبد العاطي إلى أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" ويقول أيضا "وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً " وليس هناك آية تقول كسروا عظمها وكسروا رأسها وأضربوها ضربا مبرحا لم يقل أحد ذلك أبدا.
مشروعية الضرب
وأكد الدكتور محمد عبد العاطي، أن الضرب ليس الهدف منه الإٍيلام لكن الهدف منه التأديب والردع، وأن مشروعية الضرب أن تعود المرأة إلى كنف الأسرة وإلى زوجها وأولادها، مضيفا أن ليس كل النساء ينفع أن يطبق معها الثلاث درجات لعلاج نشوز المرأة، لأن هناك نساء يزيدها الضرب تعندا وقد يتأتى من هذا خراب البيت، وهنا الهدف من مشروعية الضرب لا يتحقق، لذلك إذا كان الضرب سوف يعندها ويبعدها أكثر ويزيد الأمر اشتعالا ونفورا فلا يصح للزوج أن يفعل هذا وإذا فعل هذا فهو حرام.
سوء تطبيق الشرع وحكم ضرب الزوجة غير الناشز
وفيما يتعلق بضرب الزوج لزوجته ضربا مبرحا، أكد الدكتور محمد عطية أن هذا يعتبر مخالفة شرعية لكن لا يمكن أن تكون اللائمة على الشرع، وإنما تكون اللائمة على من يفهم الشرع فهما خاطئا، لذلك ليس العيب في النص الشرعي، وإنما العيب فيمن يطبق الشرع، فيُسيء في تطبيقه إلى الشرع.
ووصف عبد العاطي الزوج الذي يضرب غير الناشز أنه لم يتأدب بأدب الإسلام وحرام عليه أن يفعل هذا، وهو بهذا خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخالف نص القرآن الكريم، فمن يضر زوجته مسلم عاصٍ وارتكب ذنبا وخطيئة يحاسبه الله عليها، وهي من حقها أن تحاسبه على هذا التصرف وتلجأ للقضاء ولا تصبح بذلك ناشزا؛ لأنه ارتكب فعلا من شأنه أن يهدم الأسرة، ويفضل في حالة الخلاف أن يجد أحدا يصلح بين الزوج والزوجة حتى لا تهدم الأسرة ولا تتشرد الأولاد وهذا معنى قول الله عز وجل "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"
مفهوم نشوز الرجل وعلاجه
وكما أن هناك نشوزا للمرأة، هناك نشوز للرجل، يوضحه الدكتور عطية عبد الموجود لاشين، عضو لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر، قائلا إن مفهوم نشوز الرجل بالآية "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"، موضحًا أن الزوج يمنع المرأة حقها بغير مصوغ شرعي، فيكون المنع نشوزا، وعلاجه خلاف علاج نشوز الزوجة، وإنما يكون بحكمة عند المرأة ولو أدى العلاج إلى أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها لرده عن نشوزه فعلت ذلك.
حكم ضرب الزوجة في القانون
ومن الناحية القانونية، يقول طلعت جلال المحامي بالاستئناف العالي، إنه لا توجد قوانين خاصة لضرب الزوج لزوجته، وأن القانون لم يحدد جنس المجنى والمجنى عليه، بل شرع قوانين عامة للضرب وليس للزوجة خاصة، وتلك أهم ميزة في القانون أن قواعد التشريع لا بد أن تكون عامة ومجردة تنطبق على الكل أي كل من يتوافر به أركان الجريمة، وهذا أفضل للرجل والمرأة.
وأضاف جلال لـ القاهرة 24، أن المواد من 241 إلى 244 بقانون العقوبات تتعلق بالضرب بشكل عام بين ضرب خفيف وضرب بأداة أو باليد، إذ تنص المادة الأولى 241 على "كل من أحدث بغيره جرحًا أو ضربًا نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يومًا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهًا مصريًا، ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري".
أما المادة 242 تختص بالضرب الذي لم يبلغ درجة الجسامة أي ضرب خفيف أقل ضرر من المادة السابقة 241، وتنص على "إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها في المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه مصري".
وأوضح أن المادة 242 تشمل عدة فقرات منها أنه في حالة وجود سبق إصرار وترصد فالعقوبة لا تزيد على سنيتن أو غرامة مالية أما في حالة استخدام أداة أو عصى أو سلاح أو أي أدوات أخرى تكون العقوبة وجوب الحبس ولا يوجد غرامة مالية، إضافة للمادة 243 التي توجب الحبس في حالة الضرب باستعمال أدوات أو أسلحة أو عصى مع وجود تجمهر مؤلف من خمس أشخاص على الأقل توافقوا على التعدي والإيذاء.
المادة 60 بقانون العقوبات وعلاقتها بإباحة ضرب الزوجة
وفيما يتعلق بنص المادة 60 بالباب التاسع بقانون العقوبات، والتي يقال إنها تُبيح ضرب الزوجة بنية التهذيب كما ورد بالشرع، وتنص على "لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، قال جلال إن المادة لا تتعلق بمنع عقاب الزوج الذي يضرب زوجته فالشريعة بريئة من هذا الكلام، وهذه المادة لا تعتبر إباحة لضرب الزوجة من قبل زوجها، بل المادة تشير إلى حق الدفاع عن النفس في حالة التعدي من قبل رجل أو امرأة أو في حالة السرقة.
مشروع تشريع قوانين خاصة بالمرأة وتغليظ عقوبتها
أما داخل أروقة البرلمان، فقد تقدمت النائبة أمل سلامة عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب، بمشروع قانون هدفه تغليظ عقوبة تعدي الزوج على الزوجة، بالحبس مدة لا تزيد على 5 سنوات، مشيرة إلى أن السبب الرئيسي في إعداد مشروع القانون، أن قانون العقوبات لا يتضمن عقوبات مناسبة لجرم ضرب الزوج لزوجته، وإن كان بعض الرجال يعتقدون أن الضرب يزيد من رجولته أمام الزوجة، وأنه الأقوى، لافتة إلى أن الدراسات الحديثة، أشارت إلى أن نحو 8 ملايين سيدة مصرية يتعرضن للعنف، و86 % من الزوجات يتعرضن للضرب، حسب آخر إحصائية للمجلس القومي للمرأة.
وأوضحت سلامة أنها أضافت تعديلًا على نص المادة 242، ينص على: "إذا حصل الضرب أو الجرح من الزوج لزوجته، كانت العقوبة الحبس الوجوبي مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات".