ريان طفل سقط من حضن أمه إلى غيابة الجب.. قصة ابن المغرب في البئر
خروج الطفل ريان، لحظة فارقة انتظرها المغاربة وأشقائهم العرب على مدار 4 أيام متواصلة تجمعهم الدعوات، وتتلاقى قلوبهم أملا في خروج الطفل، الذي بالكاد أنهى عامه الخامس قبيل السقوط في غيابة البئر في انتظار معجزة مغاربية للخروج من باطن الأرض، إلى أحضان أمه مجددًا.
مع توسط شمس الثلاثاء لسماء قرية بقرية إغران بمركز تمروت شمال المغرب، خرج الطفل ريان من منزله متوجها إلى الزراعات، بعد قضائه فترة صباحية صدح بها صوته في جميع أرجاء منزله يلهو ويلعب ويضحك برفقة أسرته في منزلهم الصغير، الذي غادره بتمام الساعة الواحدة والنصف ظهرًا – وفقًا لرواية والدته- ليسقط في غيابة الجب أملا في أن يتعرف على مكان وجوده أحد السيارة للبدء في عملية خروجه.
الطفل ريان
بئر ريان التي التقمته ظهيرة يوم الثلاثاء جرى حفرها قبلها بأيام من قبل والده للحصول على مياه لري الأراضي الزراعية قبل أن يتوقف عن عمليات الحفر، ويغطي البئر بأخشاب، معلقًا عملية الحفر لحين تحسن الأحوال الجوية، واستئناف الحفر مرة أخرى، لكنه لم يكن يعلم أنه يغطي البئر لصغيره ريان، ليلفظ فيه أنفاسه الأخيرة، قبل أن يتوفاه الله اليوم السبت.
وسيمة خرشيش والدة الطفل ريان كانت تنتظر طفلها على مدار 4 أيام أملا في مشاهدته يلعب مرة أخرى، قائلة: أنا مصدومة؛ لكن أملي في الله، نترجى من الله أن يخرج ولدي حيا من هذه المحنة، وكأن قلبها كان يحدثها بوفاة طفلها في أزمته التي قد تكون الأولى ولكن المؤكد أنها الأخيرة في حياة الصغير، بقولها: قلبي يخبرني أيضا أن ابني على قيد الحياة، أبتغي لقاء ولدي حتى إن كان ميتا، لقد أخبرني المنقذون أنه حي، لكونه يتنفس حتى الآن، وأنا أريد ريان حيا كان أو ميتا.
العثور على الطفل ريان
التأكد من وجود الطفل ريان في البئر كان مساء الثلاثاء، ليبدأ شباب بلدته في محاولات مضنية أملا في الوصول وإنقاذ ريان وإثلاج قلب أمه، فقد بادر أحد الشباب بالدخول إلى البئر إلا أنه لم يتمكن من الاستمرار في بئر يبلغ قطره 32 سم، لتلجأ الأجهزة الأمنية إلى حفر نفق موازي للبئر بداية من صباح الأربعاء الماضي، وهو ذات اليوم الذي خرجت فيه أولى صور ريان للعالم من داخل البئر.
عظام الطفل اللينة لم تمكنه من الصمود أمام صخور بئر حفره أبيه بحثًا عن الماء للإنفاق عليه صغيره، ليصاب بجروح وكسور متعددة تسببت بشكل رئيسي في إنهاء حياته وحيدًا في ظلمات البئر، ليعيش ريان لحظاته الأخيرة بجسد طفولي متهالك، وأنفاس تسارع بعضها أملا في طوق نجاة.
مع مساء الأربعاء كانت أولى الصدمات وإن كانت أقلها حزنًا، بعدما تسبب انجراف بسيط للتربة في توقف عمليات الحفر، التي سرعان ما تم استئنافها عقب الاستعانة بالكثير من المعدات الثقيلة، ومشاركة خبراء ميدانيين مختصين وطبوغرافيين، مواصلين الليل بالنهار لإنقاذ الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد، ولم يترك للحياة بصمة سوى ذكرى وفاته داخل بئر ترددت في جميع أرجاء العالمين العربي والإسلامي.
ومع بزوغ شمس الخميس ومرور ما يقرب من 48 ساعة على طفل الخمس سنوات داخل البئر، كثفت الأجهزة المغربية محاولاتها لإنقاذ ريان، أو تقديم ما يمكنه من البقاء على قيد الحياة من مأكل يكسبه بعض الطاقة، وماء يروي ظمأه، إلى جانب تقديم الهلال الأحمر المغربي لأنابيب أكسجين وضخها في بئر قطرها أكثر من 30 سم لبقائه على قيد الحياة- ولكن هيهات من شبح الموت الذي داهم الطفل.
وفي يومه الثالث، بينما أبواه يقوي كل منهما الآخر ويدعمهما العالم كله في انتظار تأكيد بقاء الطفل على قيد الحياة، يستطيع والده من رؤية فلذة كبده عبر كاميرا جرى تثبيتها في فوهة البئر من قبل الوحدات القائمة على عملية الإنقاذ، لتعود إليه نصف روحه بتأكده من استمرار حياة طفله، ويتبقى النصف الآخر في انتظار خروجه، ليسرع إلى زوجته ويطمئنها على طفلهما بأنه ما زال يتنفس.
أفلت شمس الجمعة وتبعها ليل رابع للطفل في قاع البئر، استعانت خلاله السلطات المغربية برجل مغربي، خمسيني العمر، يعرف بـ عمي علي الصحراوي لمواصلة عمليات الحفر يدويا كونه أشهر عمال الحفر اليدوي في المغرب، خاصة منطقة الجنوب شرقي البلاد.
ثم أدخل المختصون 3 أنابيب معدنية من أجل مد نفق أفقي للوصول إلى الصغير وتغليفه، مع فتح حفرة أفقية في الحفرة الموازية لموقعه، وسط تخوفات من سقوط أمطار، لتمر الساعات، ويصطدم العاملون بصخرة صباح اليوم السبت- يوم ريان الأخير.
تسببت الصخرة في توقف عمليات الحفر لوقت وجيز، قبل استئنافها مرة أخرى، والعمل على تشكيل حرف أنبوب نفقي على شكل حرف L في اللغة الإنجليزية، بخطين اثنين من الأنابيب المعدنية السميكة لإخراج الطفل.
ومع اقتراب الوصول إلى الطفل- الذي لم يأكل منذ سقوطه في البئر منذ الثلاثاء الماضي ولم ترى بطنه الماء ليروي ظمأه- وصلت سيارة إسعاف مجهزة، وطائرة مروحية طبية إلى مكان سقوط الطفل، لنقله إلى المستشفى فور خروج على قيد الحياة، وتوجه فريق طبي متخصص إلى فتحة النفق لإخراج الطفل، وكان والديه أولى المستقبلين أمام بئر مكث فيه صغيرهم منذ أيام، مصابًا بكسور وجروح وحالة صحية يرثى لها.
وقبيل الوصول إليه لفظ ريان أنفاسه الأخيرة، ليعثر عليه أفراد الحماية المدنية والفريق الطبي الذي كان في انتظاره جثة هامدة لا حول له ولا قوة، فلم يستطع الطفل مواجهة غيابة جب بئر موحش مكث فيه على مدار أربعة أيام مصابًا بكسور وجروح دون طعام وشراب دون ادنى مقومات للحياة لطفل لم يبلغ الحلم بعد، وترقى روح ريان قبل إنقاذه.