الإفتاء عن التشكيك في الإسراء والمعراج: جدل موسمي.. والأجدر الاهتمام بما هو أنفع
ردت دار الإفتاء المصرية على التشكيك في رحلة الإسراء والمعراج، مؤكدة: أن المغالطات حول رحلة الإسراء والمعراج تدور في اتجاهين؛ الأول: هل حدثت هذه المعجزة؟ والثاني: متى حدثت؟.
وأكملت في بيان: فأما حدوثها؛ فقد حدثت قطعًا؛ لأن القرآن أخبرنا بذلك، ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال؛ فقال عز وجل: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وأضافت الإفتاء: والمقصود بـ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ أي: سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والآية دالة على ثبوت الإسراء، أَما ثبوت المعراج؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، والمقصود بالرؤية في الآية الكريمة: رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل في المعراج.
اتفاق جمهور العلماء أَن الإسراء حدث بالروح والجسد
وأوضحت الإفتاء: لقد اتفق جمهور العلماء على أَن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع بالجسد والروح يقظةً في ليلة واحدة.
وتابعت الإفتاء: وما يراه البعض من أَن المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية؛ فإن هذا الرأي لا يعول عليه؛ لأن الله عز وجل قادر على أن يعرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بجسده وروحه كما أسرى به بجسده وروحه، وتعجب العرب وقتها دليل على القيام بالرحلة روحًا وجسدًا؛ فلو كانت رؤية منامية ما كانت تستحق التعجب منهم.
وأضافت الإقتاء: أَما إنكار البعض لحدوث رحلة الإسراء والمعراج بسبب تعارضها مع القدرة البشرية، فالجواب: أَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل إنه قام بهذه الرحلة بنفسه دون العناية الإلهية، بل الرحلة بأكملها بتوفيق الله وفضله وهو الذي أسرى بعبده، فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد سريت، وهذا الإعجاز الحاصل في الرحلة لا يتعارض مع قدرة الله عز وجل، فضلًا عن أن غرابة وصف الرحلة منتفٍ وخاصة بمقاييسنا المعاصرة، بل حدثت أمور تشبه المعجزات كاختراع الفاكس منذ عقود طويلة والذي تمكَّن من نقل أوراق وصور إلى أي مكان في العالم، فضلًا عن ظهور الإنترنت والفضاء الإلكتروني منذ عدة سنوات.
اختلاف تاريخ الرحلة
وعن ثاني الاتجاهات التي تناولت رحلة الإسراء والمعراج وهو اختلاف تاريخ الرحلة، قالت دار الإفتاء: إنَّ تعيين رحلة الإسراء والمعراج بالسابع والعشرين من شهر رجب قد حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعة من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا، فضلًا عن أنَّ تتابع الأمَّة على الاحتفال بذكراها في السابع والعشرين من رجب يُعدُّ شاهدًا على رجحان هذا القول ودليلًا على قوته.
يجب الابتعاد عن إثارة هذه الشبهات وإعادة إحيائها عند حلول هذه المناسبة
وناشدت الإفتاء بضرورة الابتعاد عن إثارة هذه الشبهات وإعادة إحيائها عند حلول هذه المناسبة، فهو جدل موسمي برغم استقرار منهج البحث العلمي والشرعي فيه، والأَولى والأجدر الاهتمام بما هو أنفع من هذا الجدل، وهو استلهام العِبر والدروس المستفادة من المناسبة؛ كالثقة بنصر الله، وحسن التسليم والتوكُّل عليه، والأخذ بالأسباب.
واختتمت الإفتاء: ويبقى الدرس الأعظم فيها هو تَرقب الفَرَج في كل شدة، والثقة بالأمل والمستقبل؛ فالمحن تتبعها المِنَح من خلال السعي بجدٍ واجتهادٍ لتحصيل ثمار الكد والصبر عليه، فكل محنة وشدة يلحقها منحة وعطاء وتكريم من الله تعالى.