في ذكرى ميلاد إمام الملحنين.. ماذا قال العقاد عن تجاهل فن سيد درويش؟
سيد درويش، الموسيقار المصري الكبير، الموسيقي الأهم في العصر الحديث، والملحن الأبرز في الوطن العربي، المولود في 17 مارس من العام 1892، له الكثير من الأعمال الموسيقية الشهيرة، التي أصبحت من التراث والهوية الموسيقية المصرية بـ مرور الزمن.
عاش درويش حياة قصيرة، وتوفي وعمره حوالي 31 سنة، لكنه استطاع خلال تلك الفترة ترك الكثير من الأعمال بين الموشحات، والطقطوقة، والروايات المسرحية، والأوبريتات، وأيضا لحن أكثر من نشيد وطني، منهم النشيد الوطني المصري القديم، والنشيد الوطني الحالي للجزائر.
كان سيد درويش مؤثرا في كافة أطياف الشعب المصري، بداية من الرجل العادي، إلى المفكرين الكبار، فـ بعد وفاته كتب المفكر الكبير عباس محمود العقاد مقالا طويلا عام 1925، قال فيه بأن سيد درويش إمام الملحنين، ونابغة الموسيقى، الذي مات والقطر كله يصغي إلى موسيقاه وصوته.
ويضيف العقاد: كان ذلك النابغة الفقيد رحمه الله، قد نبه ذكره قبل موته بعامين، أو قراب ذلك، واشتهر اسمه، وذاعت أغانيه وألحانه، فطافت القطر أجمعه، وطبقت المدن والقرى، وانبسطت منها مائدة سرور واسعة الأكناف، تناول منها كل غاد ورائح.
تجاهل الحكومة وفاة سيد درويش
ويتطرق العقاد عن تجاهل الحكومة لنبأ موته، قائلا: إن الأمة لا تعلم أنها أصيبت من فقده بمصيبة قومية، ولم تبال حكومتها أن تشترك في تشييع جنازته وإحياء ذكراه، كما تبالي بتشييع جنازات الموتى الذين ماتوا يوم ولدوا، والمشيعين الذين شيعتهم بطون أمهاتهم إلى قبر واسع من هذه الدنيا، يفسدون فيها من أجوائها ما ليست تفسده العظام النخرات، والجثث الباليات.
وعن تجاهل سيد درويش وفنه خلال حياته يقول العقاد: ما لنا لا نقول إن الرجل قد أهمل في حياته وبعد مماته هذا الإهمال القبيح لأجل هذا؟ أوليست آدابنا، هي تلك آداب الشرق الجامد الذليل الذي تعاورته الرزايا، وران عليه الطغيان؟ أوليس من شرع الاستبداد وسنن آدابه أن يكون الرجل عظيما لأنه يطغى ويقهر ويكسر النفوس، ويحني الظهور، ويعفر الوجوه؟.
مستكملا: أما الأمم التي لا حظ لها من الحرية، ولا يد لها في تعظيم العظيم منها لأنه يعظم بينها، غضبت عليه أو رضيته عنه، وأعجبت به أو أنكرته، فتلك، ماذا يبلغ من شأن المغني المطرب بينها؟ بل ماذا يبلغ من شأن كل من يسعدها ويسري عنها كروبها؟.
فضل درويش على الفن
ويذهب العقاد في مقاله بعد ذلك إلى فضل الشيخ سيد درويش، وأهمية دوره في عالم الفن المصري، يقول بأن درويش أدخل الحياة والبساطة في التلحين والغناء، بعد أن كان الفن مثقلا كجميع الفنون الأخرى بأوقار من اسجاعه، وأوضاعه وتقاليده، التي لا صلة بينها وبين الحياة، فجاء هذا النابغة الملهم، فناسب بين الألفاظ، والمعاني، وناسب بين المعاني والألحان، وناسب بين الألحان والحالات النفسية التي تعبر عنها، بحيث تسمع الصوت الذي يضعه، ويلحنه، ويغنيه، فتحسب أن كلماته وأنغامه تزاوجت منذ القدم، فلم تفترق، ولم تعرف لها صحبة غير هذه الصحبة.
