خط إنتاج الموت.. كيف يعاني عمال يونيفرسال في بيئة عمل غير آمنة؟ | تحقيق
في شتاء عام 2007، تعرّض رامي حسن محمد، أحد العاملين المفصولين بشركة يونيفرسال إلى الإصابة أثناء عمله؛ نتج عنها بتر نص كفه اليمين، بعد الخضوع إلى 22 عملية، وبلغت نسبة عجز نحو الكف 60%.
لم يكن رامي حسن؛ الحالة الأولى التي تعرضت للإصابة داخل شركة يونيفرسال، بل هناك آلاف من العمال يقبعون تحت خط الخطر، بعد التدهور الصحي الناتج عن افتقاد عوامل السلامة والصحة المهنية.
هريدي انتزع ثلث رئته اليمنى نتيجة التلف
بين الشكاوي والأوراق والملفات؛ يعيش محمود هريدي - أحد العمال المفصولين من شركة يونيفرسال في بيت بسيط، بعد أن أخذ على عاتقه مسئولية التحدث باسم عُمّال شركة يونيفرسال، وما يواجهونه من خطر بسبب افتقاد عوامل السلامة والصحة المهنية، مُستيقظًا يوميًا على أمل سماع أخبار سعيدة، في ظل المُعاناة التي يعيشونها يوما تلو الآخر.
«أحنا بنموت والشكاوي بتتساب ومحدش بيسأل فينا».. بنبرة يغلب عليها اليأس؛ تحدث محمود هريدي - أحد العمال المفصولين من شركة يونيفرسال، حول مُحاولاتهم العديدة، لتوصيل شكواهم الصحية، نتيجة افتقاد عوامل السلامة والصحة المهنية، قائلًا: «عاوز لجنة صحية تكشف على قسم الطباعة والمعالجة والنيكل، وتعملهم إشاعات.. لو طلع واحد سليم يبقى ليهم الحق، لأن مش هيكون في حد سليم.. أكيد كلنا صِدرنا بايظ».
مع نهاية عام 2018، وبعد انقطاع صرف عُبوة اللبن اللازمة لحماية العمال من المخاطر الصحية الصدرية، الناتجة عن أضرار قسم الطباعة والنيكل؛ بدأ محمود هريدي، يشعر بتعب صدري، وسرعان ما اكتشف وجود تليف شديد في الرئة اليمنى، وأيضًا تليف في الكبد، حاكيًا:«مفيش حاجة بتتصرف من 2018.. لينا بدل مخاطر 54 شهرا عشان الكيمياويات، واللبن مش بيتصرف من 54 شهرا، وعندنا كذا إصابة ولا حياة لمن تنادي».
إصابة أدت إلى عجز جزئي
على جانب آخر، يعيش محمود عوض - صاحب الـ 44 عامًا، من عمال يونيفرسال، بأحد العمارات البسيطة وسط زوجته وأولاده الثلاثة، وعدد من القطط التي يحرص على تربيتهم واللعب معهم، فمنذ عام 2005 يعمل عوض بشركة يونيفرسال، حيث يستيقظ باكرًا ويرتدي ملابسه ويذهب للعمل من أجل لقمة العيش، حتى في ظل أزمة تأخير الرواتب، قائلًا: تغذية المكنة التي يعمل عليها؛ تحتاج إلى سلم حديد للصعود عليه، ومن هنا تحدث الإصابة مثلما حدثت معه، حيث أنه تعرض للوقوع من على هذا السلم، ونتج عنه قطع في الغضروف الخلفي للرُكبة اليمنى وخضوعه إلى عملية، مُردفًا: بمشي أزك فيها كدة.
يحكي الأربعيني في حديثه مع القاهرة 24، أن الإصابة الأخرى كانت في كف يده اليمنى، حيث تعرض لها، نتيجة تهالك المكنة، ما أدى إلى إلى جرح قطعي، موضحًا: بدّي أمر للمكنة عشان الفرن يدخل.. كان واخد سُرعة أكبر من حجمه، وخد إيدي معاه.
كما تعرض في ذات اليد إلى حادثة وقوع أخرى من السلم الحديدي، ما تسبب في كسر كبير، ونسبة عجز جُزئي بالكف بلغت 7% - نتيجة ثبات المفصل، حسب رواية العامل الأربعيني.
وبنبرة يغلب عليها قلة الحيلة، أكد العامل، أن شركة يونيفيرسال تقاعست في التعامل مع إصاباته، رغم حقه في صرف الراتب الشهري والحوافز والمستحقات خلال فترة إصابته، لحين عودته للعمل مثلما ينص قانون العمل، إلا أن الشركة قررت عدم صرف أي رواتب أو مُستحقات لحين انتهاء فترة إصابته.
إصابات عمال يونيفرسال
في المقابل، قال شعبان خليفة، رئيس النقابة العامة للقطاع الخاص، إن عدد حالات إصابات عمال يونيفرسال كبيرة للغاية، ولا يمكن حصرها أو إعلانها، لافتًا من خلال وثائق رسمية إلى أن معظم حالات الإصابة؛ تمثلت في بتر كف اليد، والذراع، إضافة إلى عمليات كثيرة منها قلب مفتوح، وأيضًا مشاكل في الرئة، حيث ينتج هذا بسبب أمراض المهنة ذاتها.
رئيس النقابة العامة للقطاع الخاص، شدد في تصريحاته مع القاهرة 24، على أن شركة يونيفرسال لا تهتم بعمالها وتُفرط فيهم، وهو الأمر الذي نتج عنه انحفاض نسبة عدد العاملين بالشركة من 16 ألف عامل إلى 3000 عامل.
رئيس شركة يونيفرسال: أحنا حاجة صديقة للبيئة
القاهرة 24، تواصل مع يسري قطب، رئيس شركة يونيفرسال، والذي نفى بدوره كل ما يُقال من العمال حول افتقار السلامة والصحة المهنية، وأيضًا إصابات العمل.
وأكد قطب خلال حديثه مع القاهرة 24: لو عندنا حاجة.. مكنتش الحكومة سابتنا، ومعندناش حاجة خطيرة أوي في السلامة والصحة المهنية.. أحنا مش شركات بترول أو بتروكيماويات.. أحنا حاجة صديقة للبيئة»، مردفا: معندناش ولا إصابة عمل موجودة.
السلامة والصحة المهنية بالقوى العاملة
ورغم تأكيد رئيس الشركة على عدم وجود مخالفات في السلامة والصحة المهنية، إلا أن سهير الليثي، رئيس الإدارة المركزية للسلامة والصحة المهنية بوزارة القوى العاملة، أفادت بأنهم شنوا حملة مع مكتب العمل، ووجدوا مخالفات كثيرة داخل شركة يونيفرسال تتعلق بالسلامة والصحة المهنية، قائلة: «اتعملهم محاضر، ونؤكد الحفاظ على حق العمال».
رئيس الإدارة المركزية للسلامة والصحة المهنية بوزارة القوى العاملة، أشارت في حديثها لـ القاهرة 24، إلى أن المنشأة غير مُؤمنة بمخاطر الحريق، غير مؤمنة بالمخاطر الفيزيائية، غير مؤمنة بالمخاطر الميكانيكية، وغير مُؤمنة بالمخاطر البيولوجية؛ حتى في الإجراءات الاحترازية هناك تهاون، وغير مؤمنة بمخاطر الكهرباء.
تصريحات مسؤولة القوى العاملة، أكدها قانون العمل وفقا للمادة 209 من القانون المنظم للعمل بالمنشآت وفروعها، بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية لوقاية العمال من المخاطر، ومن ضمنها الإصابات الناتجة عن آلات ميكانيكية أو مخاطر بيولوجية مثل البكتيريا والفيروسات.
كما تتضمن المادة 228 من قانون العمل، بأن تلتزم كل مُنشأة، بمُوافاة مديرية القوى العاملة المختصة بإحصائية نصف سنوية عن الأمراض والإصابات، وذلك خلال النصف الأول من شهري يوليو ويناير على الأكثر.
ولا يزال عُمال شركة يونيفرسال؛ يواجهون مصير مجهول حول مشاكلهم الصحية التي تجعلهم رهن الخطر؛ الأمر الذي يدفع بعضهم للانتحار، مثلما قال محمود هريدي - أحد العاملين بالشركة: توجهت لكل الشركات.. مين هياخد واحد شايل الرئة، وعنده تليف في الكبد وضعف في عضلة القلب.. أنا فكرت أروح وزارة القوى العاملة، وأنط من الدور السابع وانتحر عشان أرتاح.
