كعكة "الاتحاد المغاربي" وسكاكين أوروبا
على جمر نصفه مشتعل ونصفه الآخر تحت رماد، يعيش العالم مرحلة فارقة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، طالت انعكاساتها بدرجات متفاوتة معظم دول العالم، وتأثرت بها شعوب الكرة الأرضية منذ أزمة كوفيد 19، وصولا للأزمة الأوكرانية وملف تايوان الذي ما يزال محل ترقب.
مع بداية الأزمة الأوكرانية اتجهت الأنظار بشكل كبير ناحية المنطقة العربية التي كان يعتبرها الغرب مجرد ساحة خلفية وخزائن اعتاد اغتنام ثرواتها، لكن المواقف العربية جاءت على عكس يقين الغرب، فكان عدم الانحياز هو السبيل الأمثل، ومثَل التقيد بالأعراف والقوانين الدولية خير مسار جنب المنطقة (مرحليا) تبعات هذه المواقف.. ويمكن القول بأن الدول العربية استردت مكانتها الفاعلة على الساحة الدولية وأكدت أهمية القرار العربي واستقلاليته، واتضح ذلك جليا في مواقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتمسكهما بالآلية المعمول ضمن تكتل "أوبك +"، كما جاءت اللقاءات المتعددة بين قيادات دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن والعراق، في إطار تعزيز الموقف العربي من الشرخ الدولي الحاصل حاليا.
في جزء آخر من الصورة تعيش دول الاتحاد المغاربي أزمة غير مسبوقة، بسبب الموقف الأخير للرئيس التونسي واستقباله "زعيم جبهة البوليساريو"، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة الخلاف بين دول المنطقة المغاربية، التي تؤرقها الأزمة الليبية منذ العام 2011.
الخلاف بين الجزائر والمغرب القائم على أساس "أزمة جبهة البوليساريو" مستمر منذ عقود (رغم العلاقات الطيبة بين الشعوب"، لكن المتغير الحالي يتمثل في عاملين الأول منهما الجانب العربي الذي افتتح قنصلياته في مدينة العيون جنوب المغرب. والثاني هو دخول أوروبا نفسها على خط الخلاف، وهو ما يفسره الموقف الإسباني المتقارب مع المغرب في الوقت الراهن على أساس نفس القضية، بعد تأكيد مدريد على مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، فيما اتخذت فرنسا خطوات أقرب تجاه الجزائر من أجل ضمان حصتها من الغاز مقابل فتور في العلاقة مع المغرب المتقارب بشكل أكثر مع الولايات المتحدة. المواقف ذاتها يمكن أن نشهدها مع تونس خلال الفترة المقبلة...ما يعني أن المنطقة قد تذهب في مسار الفرقة بشكل أكبر مع تماهي كل دولة مع الأطراف الدولية التي ترى أنها تتفق مع مصالحها الوطنية وتوجهاتها السياسية، وهو ما يترك أثاره السلبية على آلية العمل العربي المشترك في ظل اتساع فجوة الخلاف بين معسكر الشرق والغرب.
منذ 28 عاما، لم يجتمع قادة الاتحاد المغاربي بعد القمة الأخيرة للاتحاد عام 1994، وهو ما أثر على منظومة العمل العربي المشترك، كما تركت الأزمات الأخرى في الشام وليبيا واليمن أثرها، لكن الأوضاع العالمية كانت مستقرة بصورة غير الآنية، وربما حافظ الاستقرار العالمي النسبي على عدم تفاقم الخلافات القائمة في المنطقة المغاربية، باستثناء ليبيا التي أصبحت ساحة خلفية لن تحل في الوقت الراهن وبرزت فيها التباينات الدولية التي دفعت نحو استمرارها للآن، ومعها يمكن للغرب استثمار الفتور الحالي بمنطقة الاتحاد المغاربي، أولا في تحقيق مصالحه، وثانيا في الضغط على العواصم العربية التي تسعى لحل الأزمات المستمرة منذ عام 2011 في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، والحفاظ على وحدة الدول العربية كافة دون مفاضلة أو استثناء، وعدم الرهان على سيناريوهات أخرى يمكن أن تشعل أزمة هنا أو هناك.
دور تونس للوساطة من أجل استعادة الاتحاد المغاربي
قبل أشهر قليلة كان الرهان على دور تونس للوساطة من أجل استعادة الاتحاد المغاربي لدوره الفاعل، خاصة بعد أن أصبح الأضعف بين التكتلات العالمية والإقليمية والمجموعات الاقتصادية في القارة الإفريقية، في ظل التحديات الكبيرة التي يعيشها العالم على مستوى الاقتصاد، وما يمثله طموح نحو 120 مليون مواطن في الدول الخمس.
الموقف الأخير لقيادة تونس فاقم الأزمة القائمة منذ سنوات، وبالتأكيد لن يقتصر على المستوى الثنائي بين المغرب وتونس بل يمتد أثره للعديد من الدول العربية التي ترى أن الأولوية تتمثل في وحدة الدول العربية وعدم الدخول في صراعات جديدة، وهنا تتأكد ضرورة الحاجة لوساطة عربية لا أوروبية، رغم أن الدول الثلاث ترتبط بعلاقات اقتصادية أكبر مع الجانب الأوروبي بحكم الموقع الجغرافي، لكن الحفاظ على موقف عربي فاعل وقوي في فترة تتغير فيها موازين القوى ويواجه فيها العالم مخاطر اقتصادية كارثية يتطلب اتخاذ العواصم العربية الفاعلة خطوات جادة من أجل تهدئة الفتور في أقل تقدير في المنطقة المغاربية، قبل أن تتحول ساحة جديدة لصراع يعاني منه الجميع.
السباق نحو غرب إفريقيا يدار عبر العلاقات مع دول الاتحاد المغاربي، أو بالأحرى عبر الجزائر والمغرب، ومع تأكيد جميع المؤشرات بتنامي التنظيمات المتطرفة والإرهابية في عديد من دول الساحل، فإن هذه النار قد يطال لهيبها المنطقة العربية هناك، إذا استمر المشهد على ما هو عليه الآن وتفاقمت الخلافات، مع مؤشرات عودة التنظيمات المتطرفة للجنوب الغربية في ليبيا.
تبقى عدة أسئلة على طاولة القمة العربية المقبلة، بشأن إمكانية التعامل مع الواقع الحالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفرض الرؤية العربية بضرورة تحقيق السلام والاستقرار في اليمن وسوريا وليبيا والعراق والسودان والصومال، والتأكيد أهمية الموقف العربي بشأن الاتفاق النووي بين واشنطن وإيران، ووضع رؤية شاملة للتعامل مع أزمات الطاقة والغذاء الناتجة عن متغيرات المشهد الجيوسياسي في العالم، بما يضمن وضع الخطوط الرئيسية لمرحلة جديدة لآليات العمل العربي المشترك خلال السنوات المقبلة.