الأزمة الروسية الأوكرانية.. والاكتفاء الذاتي لمصر
هناك مثل شعبي ذو صيت واسع يعلمه الجميع وهو «رُبّ ضارّة نافعة»، والذي يعني أنه ربما تأتي بعض الأحداث المضرّة للشعوب والمجتمعات، فيما يبدوا في ظاهرها انها كارثة، وفي باطنها الخير والنماء وعلى مستوى الأفراد قد يقع الإنسان في أمر من الأقدار المؤلمة والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه وتأباهها فطرته البشرية ويجزع منها، ويذهب به الجزع إلى الحزن، بل يتسرب إلى نفسه أن هذا الأمر الذي أصابه هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة لآماله وحياته، فإذا بتلك المصيبة تصبح منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وهنا تظهر تجليات المثل(رُب ضارة نافعة) الذي لم يأتِ من فراغ بل رسخ في نفوس الشعوب العربية منذ قديم الأزل نتيجة تجارب مرت بها تجاربهم الحياتية.
ونأتي إلى الأزمة الروسية التي أظن فيها أنها ستجسد ملامح هذا المثل العربي الأصيل، حيث جاءت الأزمة على مصر بأثار جسيمة أفزعت النفوس باليأس ومخافة الجوع والهلاك لأن مخزون الغذاء قد انقطع كما ظن الناس في مصر بل في العالم بأثره وخاصة في الدولة النامية، ولكن هنا تتجلى الإرادة والعزيمة للقيادة السياسية لمصر، فعلى الفور تدرس الحكومة البدائل وتضع الحلول وتتخذ المواقف المصيرية، وتتحرك الدولة كخلية نحل وتعقد الاجتماعات والمؤتمرات وتقام اللجان المتخصصة في كل مجالات الحياة لتوفر للشعب احتياجاته، وهنا تظهر حقيقة (رب ضارة نافعة) ويجتمع رأي القيادة على أمر واحد لا بديل سواه، كيف تسير مصر في طريق الاكتفاء الذاتي، وكان أول تفكير القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس السيسي كيف نصنع الاكتفاء الذاتي؟ في الغذاء وخاصة القمح السلعة الاستراتيجية للشعب المصري وهو عصب الحياة لنا.
الأزمة الروسية الأوكرانية
ففي مصر تنبهت القيادة السياسية منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية بأهمية الحصول على السلع الغذائية المختلفة وتوافرها لعدم الوقوع في الأزمة وعدم نقص أي سلعة أساسية في البلاد، لذلك تم وضع خطة استراتيجية للاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية والأساسية وخاصة القمح الذي يعتبر وبصدق عصب الحياة في مصر، حيث يعتمد عليه غالبية الشعب المصري في طعامهم ولذا سمي رغيف القمح بالعيش والشعب المصري في ذلك يختلف عن شعوب دول العالم في استهلاك القمح.
وقد قامت الحكومة في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بتكوين خلية أزمة من خلال جهود وتعاون وتنسيق متكامل بين مختلف أجهزة الدولة، سعيًا لتأمين احتياجات ومتطلبات المواطنين، وكان من فضل الله على مصر أن إنتاج القمح المحلي وصل إلى ما يقارب عشر مليون طن، فحين أن استهلاك مصر من القمح يقدر بثمانية عشر مليون طن، مما يعد هناك نقص يزيد على ثمانية مليون طن من القمح وعليه تتجه الدولة إلى زيادة رقعة الأراضي الزراعية على مستوى الجمهورية، تحقيقا للاكتفاء الذاتي من مختلف المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها القمح، ولم تكتفي جهود الدولة بالاهتمام بالمحصولات الزراعية فقط، ولكن كان هناك وفي خط متوازي الاهتمام بملف الصناعة وتوفير مدخلات الإنتاج لمختلف القطاعات، دعما وتعزيزا لدور الصناعة المحلية، لذا قررت الحكومة عقد مؤتمر للاقتصاد في الفترة من 23 إلى 25 من الشهر الجاري، والذي دعا إليه الرئيس السيسي منذ فترة قصيرة، كما طالب الحكومة بالعمل على زيادة التصدير إلى مائة مليار دولار، وأكد أن هذا المبلغ ليس بكثير على دولة في حجم مصر، وهذا يتوقف على بذل الجهد والعمل الدؤوب ومواصلة العمل الليل بالنهار من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي بل والتصدير للخارج من أجل توفير العملة الصعبة، وعدم الاعتماد في حياتنا على الاستيراد، حتى يكن ما نأكله مما نزرعه وهذا سيساعد في استقلال إرادتنا وتحقيق استقرارنا كدولة تخطو بخطى سريعة إلى الجمهورية الجديدة التي تنعم بالاكتفاء الذاتي والتصدير للخارج من أجل تنمية مستدامة ورفاهية الشعب حتى يعيش في ظل حياة كريمة تسود ربوع الوطن.