حقوق الإنسان في مصر.. أولوية وطنية لا إملاءات أجنبية
المفهوم الحديث لحقوق الإنسان يعرفها كمجموعة من الحقوق الأساسية لا يجوز المساس بها وهي مستحقة لكل فرد لكونه إنسانا دون إعطاء اي اعتبار لخلفيته الدينية أو القومية أو العرقية أو اللغوية أو الثقافية ويخضع تنظيم هذه الحقوق لمجموعة من المواثيق الدولية تٌعرف مجتمعة كشرعة حقوق الإنسان الدولية، فضلا عن الدساتير والتشريعات الوطنية التي توفر الحماية القانونية لتلك الحقوق.
ومنظومة حقوق الإنسان القانونية الدولية هذه هي جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العام الذي ينظم علاقات الدول ببعضها البعض ويبلور المبادئ العامة التي تقوم عليها ويأتي على رأس هذه المبادئ حق الدول في السيادة الذي لا يجوز المساس به إلا في حالات معينة حددها ميثاق الأمم المتحدة. ومن المنطلق الحقوقي يضمن حق السيادة قدرة الدولة على حماية وتعزيز حقوق مواطنيها، حيث إن أي وطن منزوع السيادة والاستقلال من المستحيل أن يتمتع بالقدرة والإرادة اللازمة لحماية وتعزيز حقوق وحريات قاطنيه ولنا في نماذج معاصرة وسابقة للاستعمار والاحتلال وانهيار الدول الوطنية خير دليل علي إهدار حقوق الإنسان في مجملها بشكل واضح وصريح في حال غابت عن الدولة السيادة.
ومن هذا المدخل نأتي إلى الحالة المصرية فيما هو ذات الصلة بملف حقوق الإنسان، وبالأخص ما تم إثارته من لغط مؤخرا حول أحد النشطاء المسجونين وظروف احتجازه أثناء انعقاد قمة المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ.
تحت غطاء المناصرة والدفاع عن حقوق الإنسان صدر عن بعض الأشخاص بعض التصرفات هي الأقرب للحماقة سعوا من خلالها للاستقواء بالخارج للضغط على الحكومة المصرية من أجل الإفراج عن هذا السجين المحبوس بموجب حكم قضائي نهائي وبات. وكان ذلك في واقع الأمر محاولة لاستغلال استضافة مصر لمؤتمر المناخ الذي شهد حضور ما يزيد عن 100 رئيس دولة وحكومة بهدف اختلاق حالة تُسبب إحراجًا للدولة وبالتالي تحقق محاولات الضغط والابتزاز مبتغاها. ولم تكلل هذه التصرفات الحمقاء المدعومة من قبل منظمات ودول أجنبية بالنجاح وباءت بالفشل ولم تتحقق أي نتائج ذات قيمة أو تأثير.
هذا المقال ليس الغرض منه مناقشة ما يثار حول هذا المسجون أو ذاك ولا يهدف للدفع باتجاه الإفراج عن أحدهم من عدمه، ولكنه يناقش في الأساس مسألة الاستقواء بقوي خارجية من أجل فرض واقع معين يمس بمبدأ سيادة الدول تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات.
من حيث المبدأ أي مساعٍ لاستدعاء تدخلات أجنبية لمعالجة أي قضايا ذات صلة بحقوق الإنسان هو أمر غير مجدٍ ومرفوض من حيث المبدأ، وقد يتسبب في آثار عكسية تضر بقضايا حقوق الإنسان في مجملها ويمس بالسيادة الوطنية. وتتعاطى جميع الدول المسؤولة مع ملف حقوق الإنسان في إطار التزاماتها الدولية والدستورية تجاه شعوبها ووفقا للظروف والأولويات الوطنية. بمعني آخر تختلف أولويات وسبل معالجة الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان من دولة إلى أخرى في ضوء الخصوصية الاجتماعية والثقافية وحسب طبيعة التحديات المتعلقة بالأمن القومي والاستقرار الإقليمي والتنمية.
وعلى عكس ما يدعيه من يستدعون التدخلات الخارجية لم تغب مسألة حقوق الإنسان عن صانع القرار في مصر على مدار السنوات الثماني الماضية وقد فرضت التحديات التي واجهتها مصر في هذه الفترة على الدولة اتخاذ إجراءات صارمة وشديدة للتصدي لمظاهر العنف والإرهاب والتطرف والقضاء على ظاهرة الانفلات الأمني. وبالفعل أثمرت هذه الإجراءات عن عودة الأمن والاستقرار وانطلاق مسيرة تنموية غير مسبوقة، وأدركت القيادة المصرية عن رشد أن هذا المشهد لا يكتمل دون اتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة والتصدي لأي تجاوزات، وقد عقدت الدولة العزم على معالجة التحديات ذات الصلة بحقوق الإنسان عبر عدة خطوات إيجابية كلف بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وعدم تمديد حالة الطوارئ والدعوة لحوار وطني وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي. هذه الإجراءات والخطوات تشير إلى أن التعاطي الإيجابي مع ملف حقوق الإنسان في مصر نابع عن إرادة وطنية خالصة ورغبة حقيقية في إحداث تغيرات من شأنها أن تمكن المواطن من ممارسة حقوقه وحرياته الأساسية دون قيود أو عقبات ولم تكن في أي حال من الأحوال كما يتخيل البعض استجابة أو رضوخ لأي ضغوط تتخذ من حقوق الإنسان ساترا لتحقيق أهداف خفية بعيدة كل البعد عنها.
تسييس ملف حقوق الإنسان وتوظيفه من قبل بعض القوي الدولية كوسيلة لممارسة الضغوط والابتزاز أصبح أمر تعاني منه الكثير من بلدان العالم ولا يجوز الانجرار الي هذا المسار غير البناء والمضر بقضية حقوق الإنسان بشكل عام. ومصر تمضي قدما في مساعيها الرامية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان بمفهومها الشامل دون الالتفات لأي مزايدات. وعلى من يرغبون أن يكونوا عناصر مؤثرة وفعالة في مسألة تعزيز حقوق الإنسان والحريات بدوافع صادقة ان ينخرطوا في الجهود والاليات الوطنية ذات الصلة حينها سيجدون النافذة التي ستسمح لهم أن يطرحوا ما لديهم من رؤى وأفكار دون الخروج عن الشرعية الدستورية أو المساس بالسيادة الوطنية. ما هو دون ذلك لا يعدوا كونه عبثا وتجاوزا في حق الكرامة الوطنية يلفظه المجتمع بكافة فئاته دون تمييز.