في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. لماذا ترك الشعر والفلسفة واتجه إلى الرواية؟
حلت اليوم ذكرى ميلاد الكاتب العالمي نجيب محفوظ الذي ولد في مثل هذا اليوم 11 ديسمبر عام 1911، وكتب الكثير من الأعمال الإبداعية الروائية والقصصية التي أهلته للحصول على جائزة نوبل.
ونجيب محفوظ مثل أي أديب عاش في مرحلة مبكرة حياة تخبط بين الجنس الأدبي الذي يتخصص للكتابة فيه بل التخصص الذي يتجه إليه، يقول نجيب محفوظ في كتاب صفحات من مذكرات نجيب محفوظ تحرير رجاء النقاش: في سنوات الدراسة الابتدائية قرأت لكبار الأدباء في ذلك الوقت وحاولت تقليد أساليبهم، حاولت تقليد أسلوب المنفلوطي في النظرات والعبرات، وحاولت كتابة قصة حياتي على غرار الأيام لطه حسين، وأسميتها الأعوام.
ويتابع نجيب محفوظ: كان عام 1936 هو العام الفاصل في حياتي، فيه قررت احتراف كتابة القصة، بعد أن مررت بصراع نفسي رهيب في المفاضلة بين الفلسفة والأدب، ولم أحاول أن أشرك أحدًا في تفكيري أو أطلعه على ما يعتمل في نفسي من صراع، اخترت طريق الرواية رغم صعوبته، وتركت طريق الفلسفة رغم سهولته بالنسبة لي، حيث كنت قد كوّنت أساسًا متينًا في الدراسات الفلسفية، وصعوبة الطريق الذي اخترته تعود إلى عدة أسباب أهمها أن الأدب العربي كان يفتقر إلى فن الرواية بشدة، وكان التراث الروائي الموجود في ذلك الوقت محدودًا للغاية، والأعمال الموجودة قليلة، وهي أقرب إلى فن السيرة الذاتية مثل: عودة الروح لتوفيق الحكيم، وزينب للدكتور محمد حسين هيكل، والأيام للدكتور طه حسين، كما أن هذا الطريق كان يقتضي مني قراءات واسعة في الأدب العربي والعالمي على حد سواء.
في تلك الأثناء، كان أمامي طريق ممهد هو طريق الشعر، كنت أحب الشعر، وكتبته، وكان في إمكاني الاستمرار، خاصة أن الشعر له تراث عريق في الأدب العربي، بل هو كما يقال - بصدق ـ ديوان العرب، والسبب الأساسي الذي جعلني أتراجع عن كتابة الشعر هو افتقادي لملكة الحفظ التي يقوم عليها الشعر.
كانت الرواية هي الفن الذي وجدت نفسي فيه، وكانت أعمالي الأولى عبارة عن روايات تاريخية كتبتها تأثرًا بقراءاتي في التاريخ الفرعوني القديم، خاصة أعمال رايدر هاجارد صاحب الرواية المعروفة هي أو عائشة، والذي حصل على لقب سير. وأعمال هوك كين الأديب الإنجليزي الذي اشتهر بالكتابة عن التاريخ الفرعوني.
يتابع نجيب محفوظ: عندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق خاصة في الأدب الحديث قلّ حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الحماس في داخلي، بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم، ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية.
ويواصل نجيب محفوظ: في تلك الفترة كنت أجلس في المقاهي أتابع تفاصيل الحياة اليومية وحكايات الناسح لأن الواقعية تقتضي الاهتمام بالتفاصيل مهما كانت صغيرة، واستغرقتني الواقعية فترة طويلة، حتى قيام ثورة يوليو سنة 1952، فوجئت عندئذ بواقع جديد وقضايا جديدة ونوع جديد من التفكير طرأ على المجتمع، يختلف عما كان سائدًا من قبل هذه التغيرات أدخلتني في حالة من التأمل والتفكير استمرت خمس سنوات، لم أكتب خلالها أي عمل أدبي، وكان العمل الأول الذي كتبته بعد الثورة وبعد سنوات الانقطاع هو أولاد حارتنا.