رئيس فريق أول عملية زراعة رئة بالشرق الأوسط يكشف تفاصيل معركة الـ 14 ساعة في عين شمس التخصصي | حوار
14 ساعة مدة العملية بوجود 60 طبيبًا
تكلفة العملية وصلت لـ 2 ونصف مليون جنيه
أول عمليتين لزراعة الرئة على نفقة جامعة عين شمس
اليابان رفضت تدريب الأطباء لولا تدخل السفارة
3 مطالب من الصحة والتضامن والمجتمع
مصر رابع دولة تمتلك مركزًا لزراعة الرئة من حي
تجهيز 3 حالات خلال الأيام القادمة وتحديد العملية بعد شهر
بالنسبة لي إنقاذ حياة سحر ربيع، الفتاة الريفية والتي لم تكن ستكمل عامها الـ 29 لولا إجراء أول عملية جراحية لزراعة الرئة في مصر والشرق الأوسط، هو الحدث الطبي الأكبر آخر 15 عامًا في مصر، هكذا بدأ الدكتور أحمد مصطفى، رئيس فريق الجراحين الذي أجرى أول عملية زراعة رئة من متبرع حي إلى مريض في مصر والشرق الأوسط، والتي شغلت بال الجميع خلال الأيام الثلاثة الماضية بعد إعلان الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة نجاح مستشفى عين شمس التخصصي من إجراء العملية.
وأجرى القاهرة 24 حوارًا مع الدكتور أحمد مصطفى لكشف تفاصيل العملية التي استمرت لمدة 14 ساعة وخاض فيها 60 طبيبًا وجراحًا غمار العملية الأصعب إلى الآن في مصر، مشيرا إلى أن عملية زراعة الرئة عن طريق التبرع من أحياء تعد هي العملية الأصعب والأخطر في زراعات الأعضاء، على العكس من زراعة الرئة من ميت ولا يستطيع أي قسم جراحة صدر إجراء تلك العملية.
وقال رئيس فريق الجراحين الذي أجرى أول عملية زراعة رئة، إن جذور الموضوع كانت في مستشفى عين شمس وبالتحديد عام 2009، بالبدء في التحضير لإجراء عملية زراعة الرئة عن طريق البدء في تجهيز وحدة زراعة، وإدخال تكنولوجيا النفس من خلال الأجهزة الصناعية، وفي 2018 بدأت الفكرة وتكوين فريق زراعة الرئة، حتى وصلنا إلى هذه الأيام والنجاح في إجراء أول عملية.
وإلى نص الحوار..
متى بدأتم في التفكير لإجراء العملية؟
منذ 4 سنوات، ففي عام 2018 قمنا بأخذ أول خطوة نحو إجراء عملية زراعة الرئة من حي إلى مريض، وذلك بتكوين فريق لزراعة الرئة، حيث بدأتُ الأمر بـ 20 طبيبًا، وبعد تشكيل الفريق، أخذنا خطوة تدريب أعضاء الفريق المتخصص في إجراء العملية، حيث قمنا بالذهاب إلى أكبر مركز متخصص زراعة الرئة وهو مركز بيو تو في اليابان، أكبر مركز لزراعة الرئة من حي إلى مريض في العالم، وهناك مركزان آخران في العالم، والرابع يأتي في مصر الحمد لله.
في البداية الجانب الياباني رفض التعاون مع جامعة عين شمس لإجراء عملية زراعة الرئة بالتبرع من حي إلى مريض، ولكن السفارة المصرية في طوكيو تدخلت للتمهيد للموضوع ودعم التعاون، وبالفعل بدأنا التدريب في 2018 وهناك عدد كبير من الأطباء سافروا إلى اليابان للتعرف والتدريب على إجراء العملية، من جراحين وأطباء التخدير وأطباء الآشعة وأطباء الرعاية والتمريض والعلاج الطبيعي.
4 سنوات بعد البداية.. لماذا كل هذا التأخير في إجراء العملية ؟
بعد العودة من اليابان قمنا بإجراء عدد من التحديثات على مستشفى عين شمس التخصصي، وبعد تلك الفترة وبالتحديد في 2020 حدثت أزمة كورونا وذلك السبب الرئيسي في التوقف عن إجراء العملية كل هذه الفترة، وبعد كورونا تم تطوير المستشفى من تطوير جناح العمليات وجناح الرعاية، وأنشأنا العيادة الخارجية لمرضى الفشل التنفسي الذين يحتاجون لزراعة رئة وبعدها قمنا بشراء الأجهزة الخاصة بالعملية والتي يتعدى سعرها عشرات الملايين، الأمر الذي دعمنا في إجراء تلك العملية، وبعد ذلك أعلن المستشفى في يوم الأربعاء 27 أكتوبر 2021 الساعة 1 بعد الظهر أنه سيتم استقبال الحالات بالعيادة بوجود أطباء لجنة زراعة الرئة، بالعيادات الخارجية لمناظرة الحالات.
تتحدث أيضا عن أكثر من عام على أول عملية.. فأيضا لماذا تأخرتم ولماذا كانت سحر أول حالة؟
لأن هناك بعض الشروط التي لم تكن تتواجد في المرضى أو المتبرعين، فالبعض يأتي وتتوافق عليه الشروط ولا يوجد معه متبرعين، وأيضا يأتي مريض ومعه متبرع واحد وهذا لا يتوافق فلابد من وجود 2 متبرعين، وقد يأتي مريض ومعه 2 متبرعين ولكن أحد المتبرعين غير مناسب لها وذلك بعد إجراء التحليل، نحن أمام شروط صعبة جدا وحازمة فنحن نختار مريضًا من بين 150 مريضًا متقدمًا.
لماذا سحر من بين 150 حالة، تلك الحالة كان القدر حليفها، سحر والمتبرعان الاثنان وهما إخواتها كانت جميع الشروط متوافقة معها ومع اقتراب أعمارهم من بعض جاء هذا جيدًا للعملية، حيث كان هناك توافق أنسجة والثلاثة نفس فصيلة الدم والآشعة ثلاثية الأبعاد أكدت وجود توافق تام، وكذا بعد الرجوع للجانب الياباني، أكد أيضا اليابانيون أن حالة سحر جيدة للعملية، ولكن ليس هي الحالة الممتازة وهو مع جعل هناك صعوبة للعملية.
متى تقدمت سحر لإجراء العملية.. وكيف كانت التجهيزات؟
سحر هي الحالة الأولى التي وقع عليها الاختيار من بين المئات من المرضى والمتبرعين، حيث بدأت تتردد على مستشفى عين شمس التخصصي منذ شهور لطلب إجراء العملية، والقدر كان حليفًا لها في هذه الفترة، حيث لو لم تجر سحر العملية في هذه الفترة لكانت من عداد الموتى، وكان بينها وبين الموت أيام معدودة.
التجهيز لـ عملية سحر بدأ منذ 40 يومًا وخلال تلك الفترة قمنا بالعديد من الإجراءات الطبية الخاصة بالمريضة والمتبرعين كامل وجمعة، والتأكد من توافق جميع الشروط وتوافق الأنسجة وفصيلة الدم والحالة الصحية للمتبرعين، وخلال تلك الفترة كانت تتلقى سحر الأكسجين الصناعي، حيث تضاعفت جرعات الأكسجين خلال الشهور السابقة للعملية حتى وصلت إلى 15 لترًا من الأكسجين.
وبعد الانتهاء من جميع الاستعدادات لإجراء العملية كان ولابد من وجود داعم لنا يمتلك الخبرة في عمل تلك العملية ولم نجد أفضل من الجانب الياباني، وهو الأمر الذي رحب به الجانب الياباني هذه المرة على عكس البداية، والغريب هنا أن اليابانيين لا يجرون هذه العملية في أي بلد في العالم إلا من خلال طاقم ياباني كامل دون تدخل أحد.
حدثنا عن تفاصيل إجراء العملية.. وما هي أصعب لحظة مررتم بها؟
العملية كانت طويلة ومعقدة للغاية، ولكن الدافع الذي كان معنا هو الجانب الإنساني الذي كان بين الأسرة والمتبرعين، بدأنا العملية والتي كانت تتطلب زراعة فصين للمريضة، وهذا يرجع لوزنها، حيث تبلغ ما يقرب من 42 كيلو، وهذا ما تطلب فصين، ومن خلال 3 غرف تعمل بشكل متناسق كبير وحسابات مستمرة بدأنا باستئصال الرئة اليمني، وفي نفس الوقت كان هناك العمل يسير في المتبرع الأول وتم استئصال الفص الأيمن من الرئة ثم الزراعة، وهكذا مع الرئة اليسرى لمدة 14 ساعة كانت هناك معركة بحضور رئيس القسم الياباني هو الخبير الذي تواجد معنا في تلك العملية.
الأمر الصعب الذي مررنا به خلال العملية هو حالة سحر والتي كانت تمر بأيام صعبة جدا حتى أنه أثناء العملية كان هناك خوف من موتها أثناء التخدير، حيث إن هناك العديد من الحالات التي توفيت خلال التخدير، ولكن البدء في العملية جاء بعد متابعة الجانب الياباني واستعداد الفريق الطبي من عين شمس التخصصي والذي يتكون من 13 قسمًا و60 طبيبًا، حيث بدأ الفريق بالعمل، وكما ذكرنا تمت العملية في 14 ساعة، حيث كان وقت العملية أكبر من المعدل الطبيعي لهذه العمليات والتي كانت تستغرق 12 ساعة.
كيف كان أول رد فعل للمريضة.. وهل تحدثت سحر معكم؟
بعد العملية تم فصل الأجهزة المساعدة للقلب، وتمت عملية الإفاقة لسحر والتي كان أول سؤال لها عن الحالة الصحية لإخواتها، وكذلك إخواتها المتبرعين كان لهم تساؤل عن أختهم، الشعور الإنساني تغلب على طابع العملية مع وجود 3 من أسرها واحدة مثل ما يقولوا ناس على أد الحال، وأيضا الوالدة والولد كان شعورهما صعبًا ولكن كانا صابرين.
كم تكلفة هذه العملية.. ومن تحملها؟
لا نستطيع تحديد التكلفة في هذا الوقت لأنه لازلت العملية جارية، ولكن نستطيع القول إن تكلفة العملية وصلت لـ 2 ونصف مليون جنيه والتكلفة كانت على نفقة جامعة عين شمس، وذلك بتوجيه من الدكتور محمود المتيني، رئيس الجامعة، والذي قرر تحمل أول عمليتين على نفقة الجامعة.
متى تستطيع المريضة اجتياز مرحلة الخطر؟
على الأقل شهر في الرعاية، وخلال هذه المدة تكون سحر متواجدة على أجهزة مساعدة للتنفس وأجهزة مساعدة للقلب وأجهزة أيضا للتغذية، وكذا في جميع الاتجاهات، مع الوقت يتم تقليل النسب في الأجهزة، وهذه مثل فطم الطفل الصغير، إلى أن يتم فصل المريضة عن الأجهزة وتستطيع التحرك بسهولة وتتمكن من السير.
أقدر أقول إن دعوات الست الصداقة والصابرة والدة الأبطال الثلاثة كانت أحد الأسباب في الحالة الجيدة التي يتواجدون عليها الآن فحالة الشقيقين المتبرعين جيدة للغاية وخرجا من المستشفى يوم الأربعاء الماضي، وحالة سحر كل يوم أفضل من اللي قبله وهي الآن في رعاية مركزة وتحت رعاية طبية مستقرة.
متى نستطيع تحديد عملية أخرى.. ومتى سيتم إجراء العملية؟
تحديد عملية أخرى يأتي بعد الاطمئنان على حالة سحر وهذا يتم بعد أسبوعين، وبعد ذلك يقوم الطاقم بالبدء في تجهيز المريضة، وهذا قد يبدأ بعد شهر من الآن، ثم التجهيز للعملية ويتطلب شهرًا أيضا، ونحن أمامنا ثلاث حالات يتم متابعتها الآن وتجهيزهم للعملية.
هل التواصل مع الجانب الياباني سيتوقف على عملية سحر؟
نحن على تواصل يومي مع الجانب الياباني ولن نتوقف عن هذا، وذلك بعد السعادة الكبيرة التي ظهرت منهم بعد إجراء العملية، حيث عبر رئيس القسم الياباني عن سعادته بإجراء العملية قائلا: لي الشرف للعمل معكم أنتم الآن زملاء لنا، وأيضا هناك تشجيع عالمي كبير لنا، حيث أرسلت لنا جامعة مونتريال الكندية تهنئة قائلة: أنتم بدأتم من القمة.
أخيرًا.. ما هي طلبات الفريق الطبي ليتمكن من إجراء عمليات أخرى؟
ليس لدينا مطالب شخصية، ولكن نطلب في البداية تفعيل قانون التبرع بالأعضاء فهذا سيسهل علينا كثيرا والضرورة تتطلب ذلك، نحن 100 مليون نسمة، وهناك الآلاف يقعون تحت بطش المرض المميت، فضلا عن زيادة الحاجة لنوعية هذه العمليات بعد جائحة كورونا، فخلفت الجائحة الآلاف من عمليات زراعة الرئة، ونحن وللعلم نقف على حافة تفعيل القانون فمنذ 2010 ومصر انتهت منه ولا يوجد أي تعارض قانوني أو شرعي معه.
الطلب الثاني هو من وزارتي التضامن والصحة ومن الشخصيات العامة والإعلام هو التبرع للعمليات الرئة، وذلك بسبب التكلفة العالية التي تتطلبها إجراء عمليات الرئة عالميًا، مع العلم أن مصر هي أقل تكلفة عالميا.
والثالث، هو دعم أسرة سحر، وهؤلاء ناس على قد الحال، ممن يكسبون قوتهم باليومية، فالأخين يعملان في البناء والمعمار، وكذا الأب وهو رجل قد بلغ من السن الكثير، وبعد إجراء العملية والتبرع سيصعب على الشابين العمل للإنفاق على الأسرة، وذلك مؤقتا، لذا أطالب من كل من يقرأ ويسمع أن يصل إليهم ويمد لهم العون من خلال مستشفى عين شمس التخصصي.
