الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قراءة في الوضع الاقتصادي 2: حسبة برما

الأحد 08/يناير/2023 - 06:04 م

تعرضنا في المقال السابق لملامح الوضع الاقتصادي الحالي، باستعراض طبيعة الأزمة التي نمر بها، والتي تتلخص أعراضها في عدم القدرة على توفير النقد الأجنبي، والارتفاع المطّرد في أسعار السلع نتيجة تضخم مزمن، وقد أعزينا جزءًا كبيرًا من الإشكالية لتضخم الدين العام.

أصبح وضعُنا الاقتصادي أشبه بكرة اللهب المشتعلة ذات المنافذ، فبمجرد محاولة سد أحد منافذها يخرج اللهب مستعرًا من المنافذ الأخرى.

مثلًا، إن حاولت الحكومة، خفض العملة المحلية "تعويم الجنيه"، فإن سعر الدولار سوف يرتفع بما يزيد عبء الديون الخارجية وفوائدها، ويُصعّب الأوضاع الاقتصادية على المواطنين، في ظل أن جزءًا كبيرًا من السلع الاستهلاكية ليست منتجة محليًّا.

في حين إنْ لجأنا إلى عملية رفع الفائدة على الودائع، فإن فالدين الداخلي سوف يتفحّل بشكل يرهق الموازنة، وكذلك سيتضاءل حرص المواطنين على استثمار أموالهم في مشروعات صغيرة ومتوسطة، وهذا النهج غير قابل للاستمرارية.

الوضع الاقتصادى الحالي

 

وفي تقديري، فإن جزءًا كبيرًا من أزمتنا متمثل في اصطدام الآليات المالية التي تحكم الضرائب والإنفاق الحكومي بالسياسة النقدية التي تتحكم في سعر الصرف والفائدة والمعروض النقدي أو بشكل مبسط التصادم بين البنك المركزي ووزارة المالية.

فيينما البنك المركزي مستقل في سياسته النقدية، إلا أنه حتما يُعرض الموازنة لتابعات بعض قراراته المطلوبة، خاصة وأن الحكومة هي المستدين الأكبر بحجم مديونية خارجية 170 مليار دولار ومديونية داخلية قرابة ال ٥ تريليون جنيه.

كما أنه بحسب بيانات وزارة المالية، فقد وصلت قيمة مخصصات فوائد الدين بالموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي إلى نحو 690 مليار جنيه مقابل 580 مليار جنيه خلال العام  الماضي، بزيادة تصل نسبتها إلى 20%.

ومن هنا فإن ارتفاع سعر الفائدة يؤثر على الدين الداخلي وتحريك سعر الصرف يؤثر على الدين الخارجي وبالتابعية على عجز الموازنة العامة. وفي نفس الوقت عدم تبني سعر صرف مرن لن يسمح بدخول رؤوس أموال اجنبية لأنه بحسب تقديرات بيوت الخبرة العالمية فأن الجنيه المصري مُقيم بأكثر من قيمته العادلة حيث تشير تقارير بنكي HSBC وBNP Paribas أن قيمة الدولار العادلة تتجاوز 32جنيه. 

وهو موقف لا يسمح بدخول مستثمري الأدوات الثابتة خشية خسارة ناتجة عن تذبذب عنيف في سعر الصرف.
ففي الوقت الذي تسعى الحكومة لضبط مستويات الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي من خلال أدواتها المالية، يحاول البنك المركزي ضبط معدلات التضخم بآليات قد تؤثر على الدين العام بشكل قد يتضاد طبيعيا مع سياسات الحكومة بما لا يسمح للحكومة بأن تكون في وضع قابل للاستدانة.

وبهذا أصبحت الدولة شخصيا هي الـ market maker بالنسبة للعرض والطلب، في ظل أنها أكبر مستدين للمعروض النقدي المحلي والدولاري، فهي الأكثر تأثرًا بتبعات السياسة النقدية، بما يعني أن حسبة أخرى لا بد أن توضع في الحسبان عند التفكير في أي حل لأزمتنا. ولكن القاعدة الراسخة تقول إنه لا كيان أو دولة مهما بلغت قوتها تستطيع أن تملي على السوق شروطها، وحتما لا بد من الاستجابة لنظرية العرض والطلب.

ومن ثم فنحن ندور في حلقة مفرغة أشبه بحسبة برما، فبينما تقتضي القواعد تبني سعر صرف عادل، فأي تحريك للصرف يكبد الموازنة أعباء باهظة، ويسبب عدم تحريكه عدم توافر السيولة الدولارية داخل البنوك، وانتعاش السوق الموازي، وتكدس البضائع في المواني لعدم قدرة البنوك على تديير العملة.

الحل قصير الأجل يتمثل في ضخ سيولة دولارية سريعا لـ "فك" الأزمة ولكن من أين تأني تلك السيولة؟، إما عن طريق بيع أصول حكومية كما حدث ويحدث وسيحدث، وإما عن طريق الاستدانة، أو ترشيد للإنفاق الحكومي.

وبما أن الحل الأخير لا يبدو متاحا على المستوى السياسي، فنحن كما هو بيّن مستغرقون في الحل الأول والثاني، وهي حلول من المفترض فيها أنها مؤقتة لحين استقرار الوضع الاقتصادي، وقدرته لاحقا على توفير العملة الأجنبية من خلال ربح مشروعاته التي تم إنشائها بفعل الديون أو حصيلة بيع الأصول.

وهنا تحديدًا يأتي السؤال الأكثر تعقيدًا دون مواربة.. متى نجني نتيجة كل هذه المشروعات التي صرفنا عليها ما يزيد عن 100 مليار دولار ديون خارجية العقد الأخير؟

إذًا نعود لنقطة الصفر بعد انتهاء كل دورة تمويلية لأن الفكر التشغيلي للاقتصاد خارج الخدمة ومبلغ همنا هو توفير تمويل سريع فقط.

أما عن كيفية التحرك في المدى المتوسط صوب هذا الهدف المأمول وما الخطوات التي تفصلنا عنه وما القطاعات الاقتصادية المرشحة لهذه الريادة وما الآليات التي يجب تفعيلها؟ أسئلة ليست هينة.. يبقى للحديث عنها مجال متسع لاحقا بإذن الله.

تابع مواقعنا