قراءة في الوضع الاقتصادي 3.. حلول المدى القصير
تعرضنا في المقالين السابقين لطبيعة الأزمة الاقتصادية التي نمر بها، وكذلك أبعاد السياسة النقدية والمالية ومدى التشابكات فيما بينهما، وإلى أي مدى الوضع معقد، وأن أي حل يحتاج إلى حسابات واعتبارات ليست بسيطة، وحاولنا قد الإمكان تشخيص حالة اقتصادنا الوطني، بصرف النظر عن المسببات.
أما الآن نحن بصدد الحديث عن تحديد المتاح والممكن، حتى نخرج من هذه الكبوة التي إن استمرت بشكل أطول، لن تكون النتيجة مقبولة على مستوى استقرار النظام الاقتصادي.
كما أن الحلول التي سوف أتناولها تاليا، يفرضها علينا الوقت والظرف.. أينعم لا تمثل الحل النهائي والدائم، لكنها ضرورية لمنع المزيد من التدهور، بمعني أنها حلول مؤقتة على المدى القصير، حتى نضع اقتصادنا على طريق الاستقرار ونهيئه بآليات طويلة المدى ليقوى في مواجهة أي صدمات يبدو أن المستقبل لن يخلو منها.
وقبل كل شيء، فلا مجال لمفاضلة من شأنها أن تُرجئ بعض الحلول؛ لأننا كما يُقال في عِرْض كل آلية قد تجلب لنا عملة أجنبية، طالما تخرج هذه الآلية في إطار منضبط.
مقال دكتور محمد فؤاد
وبداية فإن إشكالتنا في توفير عملة أجنبية، تقتضي بالضرورة حلين لا ثالث لهما، أولهما ترشيد الإنفاق الحكومي بشكل عاجل ومحكم، والثاني طرق آليات لتوفير سيولة دولارية سريعة لـ فك الأزمة عن طريق وسائل محددة.
أما الأول فخيرا فعلت الحكومة بإصدار ضوابط لترشيد الإنفاق العام، على رأسها تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يبدأ تنفيذها ولها مكون دولاري واضح وتأجيل الصرف على أية احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، ولكن الأمر لا ينبغي أن يتوقف فقط على الإصدار لكن المتابعة والرقابة الصارمة.
أما الحل الثاني، فمجاله يجب أن يطول، بحكم طبيعته التي تبحث عن الحلول التمويلية المطروحة فعليا وأيضا الممكنة، وحتى أكون أمينا فالحكومة أعلنت عن بعضا منها وتمضى في الأخرى بشكل ضمني غير معلن حاليا على الأقل.
الاتجاه الأول في هذا الحل هو بيع الأصول، وأبرزها بالطبع شركات الحكومة أو حصصها في شركات القطاع الخاص، وقد أعلنت الحكومة في الستة أشهر الماضية استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة ومدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، وسبق ذلك خلال نفس العام بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وسبقها بيع حصص مصر في شركتين آخريتين للصندوق الإماراتي.
كما أنه بحسب الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط، فإن عملية البيع تأتي وفق أهداف تحقق أعلى استفادة للدولة المصرية وتعظم من استغلال الأصول المملوكة لها وتضمن حقوق الأجيال المقبلة.
وتستهدف الدولة استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام الجاري، في خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية، في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، وجهات أخرى لشراء حصص في شركات وطنية.
ويمضي ذلك بالتوازي، مع عمل الصندوق السيادي على طروحات أولية لحصص في شركات بنحو 5 إلى 6 مليارات دولار في الفترة المقبلة، ومن المنتظر الإعلان عن الشريحة الأولى من هذه الطروحات خلال شهر بقيمة تتراوح ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار، وقد تعطي الطروحات الجادة رسالة هامة للاستثمار المستقبلي عن عدم مزاحمة الدولة لمجتمع الأعمال.
وفي تقديري، فإن محطات الكهرباء التي نفذتها شركة سيمنز، لا يجب أن تخرج عن هذا التوجه، خاصة وأنها في الوقت الحالي، تعمل بقدرة 12 ألف ميجا وهو ما يمثّل نحو 85% من قدرتها الإجمالية البالغة 14 ألف ميجا.
تَكلفت تلك المحطات نحو 6 مليارات يورو، تتضمن تمويلات 4 مليارات يورو من بنوك "التعمير الألماني" و"دويتشة بنك" و"إتش إس بي سي"، ورغم ما أثير عن إرجاء صندوق مصر السيادي، مؤقتًا بيع حصص يمتلكها في هذه المحطات رغم عروض الشراء المغرية التي تقدمت له، إلا أن هذا الحل يجب أن يدخل حيز النقاش الجدي.
كما يجب التوسع في بيع الأراضي بالدولار، ففي الشهر الماضي، وافقت الحكومة على امتلاك الأجانب للأراضي بنظام الأمر المباشر، شريطة الدفع بالدولار، دون التقيد بالمشاركة في المزايدات التي تطرحها الهيئة، وطبقا للقرار تضمن الحكومة تخصيص الأرض بشكل مباشر للمستثمر في مدة لا تتجاوز شهرا واحدا من قيام المستثمر بسداد 5% من قيمة الأرض بالدولار، على أن يتم استكمال باقي القيمة على دفعات مستقبلية يتم تحويلها بالدولار من خارج مصر.
أما الاتجاه الآخر هو توريق العوائد المستقبلية، وهي بشكل مبسط عملية مالية للحصول على تسهيل تمويلي بضمان العوائد المستقبلية، حيث تسمح هذه الأداة للجهات القائمة على مشروعات المرافق العامة بالحصول على التمويل اللازم لها بضمان تدفقاتها النقدية المستقبلية الناتجة عن تقديمها لهذه الخدمات العامة، لكى يتسنى تقديم هذه الخدمات بكفاءة أو لتوفير سيولة تحتاجها الحكومة.
وفي هذا الشأن تحديدا، قد كثر الحديث تلميحا وتصريحا حول قناة السويس والتي تدر عائدا سنويا يبلغ الـ 7 مليارات دولار، فبحسبة بسيطة، يمكن للدولة توريق ما قيمته 20 مليار دولار مثلا عن طريق تحصيل تلك الإيرادات المستقبلية في الوقت الحالي عن طريق تلك الآلية، وهذا الحل لا يمثل تفريطا أو بيعا أو أي ما يمكن إطلاقه عليه شعبويا لأنه حل مالي صريح، لكن للأمانة، كلفته الوحيدة هو ضرورة وجود خطة لاستيعاض الدخل الذي تم توريقه خلال ال 5 أو 7 سنوات التالية.
كل ما سبق من أطروحات هي حلول تمويلية وقتية، يمكن أن تفك الأزمة حاليا، لكن إن لم يتم معها بالتوازي حلول طويلة المدى سوف نكون معرضين بعد فترة لنفس حالتنا، وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في المقال القادم بإذن الله.