من عملية عسكرية لحرب استنزاف.. مراحل العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية
عام مضى على الحرب الروسية الأوكرانية دون حسم أي من كلا الطرفين الصراع الدامي لصالحه، على جانب تتمترس روسيا متسلحة بترسانتها العسكرية الضخمة والمتطورة، وعلى جانب آخر تواصل أوكرانيا المتسلحة بالدعم العسكري الغربي والأمريكي المستمر منذ إطلاق الرصاص الأولى للقتال من قبل زعيم الكرملين الروسي فلاديمير بوتين.
البداية لم تكن في الرابع والعشرين من فبراير 2022، فحيث عملت روسيا قبل ذلك بأشهر على الاستعداد للقتال بحشد جنودها على الحدود الفاصلة بين الدولتين تارة، والاستعداد اللوجستي لما أُطلق عليه فيما بعد من قبل بوتين عملية عسكرية خاصة، عملت أوكرانيا ومن ورائها حلف الناتو على التجهيز لصد مخالب الدب الروسي في أراضيها وتكبيده خسائر عسكرية وبشرية تجبره على العودة مجددًا من حدود كييف العاصمة إلى قرب الحدود الفاصلة بينها انتظارًا لرصاصة الانتصار التي تعلن انتصار أحدهما على الآخر فيما بات يعرف بحرب الربيع المقبل.
كماشة روسيا تنهي حياة كييف
أطلق بوتين شارة انطلاق الحرب ضد جارته أوكرانيا بتاريخ 24 فبراير 2022، نافيًا أنها حرب شاملة ومعلنا تسميتها بعملية خاصة، لينفذ جيشه هجومًا خاطفًا باتجاه العاصمة الأوكرانية كييف من الشمال والشرق والجنوب، وتمكن في ظرف أسابيع من اجتياح عدة مدن حتى بلغت المساحة المسيطر عليها نحو 20% تتضمن نقطتين فاصلتين فيما بعد هما محطة تشرنوبيل النووية المجمدة، ومحطة زاباروجيا التي شهد محيطها قتالًا عنيفًا بين الطرفين، وتسبب في تهديدات نووية قد تنهي حياة الملايين حال انفجرت.
مع مرور الشهر الأول للصراع، سيطرت موسكو على محيط كبير حول العاصمة كييف وعبور نهر دينبرو لرسم ما يمكن وصفه بـ (كماشة) عسكرية حول العاصمة، في تلك الآونة كانت موسكو دمرت الأسلحة البحرية الأوكرانية وقضت على غالبية القوات الجوية لكييف في هجمات خاطفة.
دخول كييف حربا للبقاء
حينها بدأت أوكرانيا حرب الفرصة الأخيرة في مواجهة مخالب الدب، لتدخل صراعًا ضروسًا للبقاء في مواجهة جيش موسكو الممتد من ضواحي كييف ومقاطعة تشيرنيهيف في الشمال، ثم مقاطعات خاركيف ولوهانسك ودونيتسك في الشرق، إلى زاباروجيا وخيرسون في الجنوب.
سارعت قوات أوكرانيا المتمركزة في العاصمة ومحيطها إلى توجيه ضربات متتالية لقوات موسكو المتسارعة نحوها؛ أملًا في توقيفها ثم العمل على إعادتها للخلف.
قتال مدن وطائرات تركية في ساحة الحرب
وسارعت القوات الأوكرانية في العاصمة كييف ومدينة خاركييف الرئيستين في البلاد إلى سحب قوات بوتين لحرب شوارع داخل المدن، ما تسبب في سقوط عدد ليس بالقليل من جنود روسيا وتدمير آلياتهم، خاصة في ظل نقص الإمدادات في ذلك التوقيت، حسب وكالة رويترز، نتيجة طول جبهة القتال وامتدادها على مئات الكيلومترات، إذ وجدت عدة وحدات نقصًا في الإمداد بالذخيرة والوقود والتموين.
وكانت تلك العمليات القتالية في المدن أول مسرح فعلي لظهور المساعدات العسكرية الأمريكية والغربية المقدمة لكييف؛ إذ جرى تزويد الجيش الأوكراني بصواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع، وصواريخ ستينجر المضادة للمروحيات، وطائرات بيرقدار التركية المسيرة، ما كبّد القوات الروسية خسائر كبيرة في قتال الشوارع، ليعيد الكرملين لملمة قواته وتوجيهها للمناطق المتاخمة لحدوده، أي الشرقية والجنوبية لأوكرانيا كونها تتضمن سكانًا روسيين.
ماريوبول صيد روسيا الثمين وبطولة أوكرانية
مثلت مدينة ماريوبول مرحلة مهمة من الحرب الروسية الأوكرانية، كونها كانت الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الروس في إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم، إلى جانب كونها معقل كتيبة آزوف المصنفة إرهابية من موسكو، التي قال عنها بوتين إن إعضاءها من النازيين الجدد، إضافة إلى وقوع المدينة على بحر آزوف أيضا ما يجعل السيطرة عليها سيطرة كاملة لموسكو.
وشهدت المدينة قتالًا عنيفًا من كلا الطرفين، فروسيا حظيت بدعم من الشيشان التي يتزعمها حليف بوتين الأول رمضان قديروف، وأوكرانيا المستلحة بدعم الغرب، فماريوبول كانت مركز قيادة للجيش الأوكراني في عملياته ضد معارضيه في إقليم دونباس، الموالين لروسيا، إلا أنه بعد أكثر من شهرين من القتال العنيف تمكن الجيش الروسي من السيطرة على مدينة ماريوبول الاستراتيجية، المطلة على بحر آزوف.
أوكرانيا تتشجع لمهاجمة الروس وإرجاعهم
مع دخول فصل الخريف وتحديدا سبتمبر الماضي شنت القوات الأوكرانية المدعومة بصواريخ هيمارس الأمريكية، التي لعبت دورا كبيرا في القتال، هجوما خاطفا على القوات الروسية في مقاطعة خاركيف، وتمكنت من استعادة نحو 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي، ليلعب ذلك الهجوم دورا كبيرا في إنهاء الجمود على جبهات القتال خلال فصل الصيف.
روسيا تضم أراضي أوكرانيا باستفتاء شعبي
وعقب الهجمات الأوكرانية التي مكنت كييف من استعادة عدة مدن وآلاف الكيلومترات، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبيل نهاية سبتمبر معلنًا إجراء استفتاء شعبي على ضم مقاطعات لوهانسك وزباروجيا ودونتيسك وخيرسون لبلاده، جاءت نتائجه في نهاية الشهر ذاته بقبول شعبي ساحق للضم الروسي، إلا أنه على الصعيد الدولي لم تعترف غالبية دول العالم بتلك الاستفتاءات والقرارات الروسية بضم أراضٍ أوكرانية.
بوتين ينسحب من إحدى المقاطعات الأربع وبدء حرب استنزاف
بعد الإعلان عن ضم المناطق الاربع لروسيا، وجّه الجيش الأوكراني المدعوم غربيًّا وأمريكيًّا أسلحته صوب مقاطعة خيرسون، إحدى المناطق المنضمة لموسكو، وشكّلت صواريخ هيمارس ضغطًا شديدًا على القوات الروسية، إذ استهدفت صواريخ هيمارس خطوط الإمداد، في خيرسون، ما وضع قوات موسكو بين جيش كييف ومياه نهر دينبرو ليسارع الكرملين للانسحاب من مدينة خيرسون الاستراتيجية، في أكتوبر 2022.
وتبع الانسحاب الروسي من خيرسون تغيرات في الاستراتيجية الروسية العسكرية في أوكرانيا، إذ عمل الجيش الروسي على التحصن بمواقع طبيعية منيعة خلف نهر دنيبرو، وأخذ موقعًا دفاعيًّا لاستنزاف قدرات الجيش الأوكراني وحلفائه خلال الشتاء، ومكثفًا هجماته بالصواريخ، والطائرات، الأمر الذي تسبب في دمار كبير بالبنية التحتية الأوكرانية، كما استنزف مخزون صواريخها المضادة للطائرات باهظة الثمن.
بيات شتوي استعدادًا لحرب الربيع
مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة دخل الجيشان فيما يمكن وصفه بـ البيات الشتوي؛ استعدادًا لتوجيه ضربات قاسمة كل منهما للآخر في الربيع، حيث لم تتحرك قوات أي منهما باتجاه الأخرى واكتفت بالقصف الصاروخي والجوي.
وبدخول الشتاء أيضا يسارع الطرفان بالاستعداد المكثف لمعركة الربيع، فأوكرانيا حصلت على وعود أوروبية وأمريكية بالحصول على دبابات متطورة من نوع ليوبارد الألمانية، وأبرامز الأمريكية، وتشالنجر البريطانية، بالإضافة إلى صواريخ باتريوت الأمريكية المضادة للطائرات.
في حين تشير موسكو إلى أنها ستدخل ترسانة جديدة من الأسلحة التي لم تدخل الحرب بعد إلا بشكل تجريبي ما سيؤدي إلى توسيع نطاق القتال، وتصعيدها بشكل كبير بين الطرفين.
باخموت وقتال الشتاء
وتضمن فصل الشتاء معركة ضارية بين الجارين المتناحرين، في مدينة باخموت ومحيطها، التي يخوض فيها الطرفان معارك كسر عظم، حسب وسائل إعلام غربية، قبل أن تتمكن وحدات شركة فاجنر الأمنية الروسية من السيطرة على مدينة سوليدار، المتاخمة لباخموت، كما دخلت القوات الروسية إلى بعض أحياء الأخيرة، ما شكّل نصرًا معنويًّا للروس، حسب وكالة نوفوستي الروسية.
إلا أنه بعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لم يحسم أي طرف الوضع لمصلحته، لتدخل المنطقة في حرب استنزاف لا تعرف نهايتها، فموسكو التي اعتادت الحروب الخاطفة في كل من جورجيا وشبه جزيرة القرم، تخوض حرب استنزاف في أوكرانيا، بينما لم تتمكن الأخيرة المدعومة من حلف الناتو من استعادة كامل أراضيها، لكنها حققت بعض الانتصارات بفضل الأسلحة النوعية التي حصلت عليها.