بعد إعلان رئيس الوزراء أن قيمته أقل من سعره الحقيقي.. كيف تُحدد قوة الجنيه المصري؟
تحدد قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار بعدة عومل إذ تحدد قيمة العملة من خلال قوى العرض والطلب على الصعيدين المحلي والدولي، مدعومين بالجدارة الائتمانية للدولة ومؤسساتها المالية. وكلما ازداد الطلب على العملة ازدادت قيمتها، والعكس صحيح.
الجنيه المصري مُقوّم بأقل من قيمته
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي فى 17 مايو 2023، أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته، وأن أزمة العملة ستطالها الانفراجة مع زيادة الاستثمارات القادمة إلى مصر وبها سيعود الجنيه إلى قيمته الحقيقية، ويم سد الفجوة الدولارية في البلاد وتتفق هذه التصريحات مع آخر تقرير لجولدمان ساكس، مؤسسة الخدمات الاستثمارية متعددة الجنسيات، الصادر في أواخر إبريل 2023 عن مسار العملة المصرية، والذي يرى أن الجنيه المصري مقوم بنسبة 25% أقل من قيمته العادلة بسبب التخفيضات المتعددة لقيمة العملة التي قامت بها الحكومة المصرية على مدار العام الماضي.
ويشير الخبراء إلى أنه نادرًا ما توجد عملة في العالم مقيمة بناءً على القيمة العادلة لها فأغلب دول العالم تتحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في سعر الصرف وغالبًا ما تكون مقومة بأكثر أو بأقل من قيمتها، تبعًا لمتغيرات اقتصادية كثيرة من بينها مستهدفات السياسات الاقتصادية داخليًّا.
ووفق تقرير حديث لمركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة فإن عاملين أساسيين يدفعان إلى تحديد قيمة الجنيه المصري بشكل كبير وهما:
الميزان التجاري للبلاد (الفرق بين صادرات البلد ووارداته من السلع)، والذي بلغ العجز به نحو 6.4 مليار دولار في الربع الثاني من العام المالي الحالي وقد يشهد الميزان التجاري تقلبات بسبب اعتماد الدولة المفرط على الواردات مقابل الصادرات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وبالتالي قيمة الدولار الأمريكي، وهي العملة الشائعة في التداول التجاري وتقييم الديون الخارجية.
ويمثل صافي الأصول الأجنبية (الفارق بين ما يملكه القطاع المصرفي من أصول بالعملات الأجنبية والالتزامات بالعملات الأجنبية تجاه غير المقيمين) والتي بلغ العجز بها نحو 280 مليار جنيه بنهاية فبراير 2023.
ووفق تقرير مركز حلول للسياسات البديلة التابع لـ الجامعة الأمريكية بالقاهرة فإنه كلما شهد هذان العاملان قدرًا من العجز الملحوظ والمستمر، ضغطا بدورهما لتخفيض قيمة العملة، وهو ما يحدث حاليًّا في مصر لغياب المصادر المستدامة للعملة الصعبة وارتفاع الالتزامات وأقساط الديون الخارجية.
ومع استمرار تخفيض قيمة الجنيه المصري على مدار السنوات الأخيرة وارتفاع التضخم - والذي يحاول البنك المركزي أن يكبحه برفع أسعار الفائدة - تنكمش السوق ويزداد العجز الكلي.
تحسين سيولة العملات الأجنبية في السوق
وتنتظر الحكومة المصرية تحسين سيولة العملات الأجنبية في السوق قبل التحرك نحو سعر صرف مرن، مستهدفة إحراز تقدم في بيع أصول الدولة، عبر برنامج الطروحات الحكومية قبل إجراء أي تعديلات أخرى على سعر الصرف.
ويقول الخبير الاقتصادي هاني جنينة، في ذات التقرير إن أغلب حسابات السعر العادل للعملات تتحدد وفقًا لنموذج سعر الصرف الفعلي الحقيقي أو (Real Effective Exchange Rate REER)، وهو معادلة رياضية تحسب من خلال مقارنة الجنيه بسعر سلة عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر، من خلال مقارنة الميزان التجاري بين البلاد. ومن العوامل المؤثرة في حساب الـ REER على المدى الطويل هي فروق معدلات التضخم بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية. أما على المدى القصير، فتلعب فروق معدلات الفائدة دورًا أكبر.
هل هناك حلول؟
ما الحل إذن؟ حسب الخبراء فإن الأمر يتطلب إثبات قدرة الاقتصاد المصري على جذب سيولة وتوليد إيرادات بشكل مستدام عبر قطاع خاص قوي وهذا لن يتحقق بدون تطبيق إصلاحات حقيقية من شأنها أن تخلق اقتصادًا ذا قيمة مضافة يساهم في تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى مصر، ويدعم الصناعات الموجهة للتصدير ويعزز تنافسيتها، ويجذب السياحة كرافد مستقر للعملة الصعبة عن طريق توفير البنية الأساسية المطلوبة.
ورغم إجماع الخبراء على أن الجنيه المصري قد يكون مقوَّمًا بأقل من قيمته العادلة، فإنهم يرون في ذات الوقت أن تخفيض قيمة العملة أصبح أمرًا لا مفر منه بسبب أزمة السيولة الدولارية الطاحنة، ولكنه - ككل مرة - لن يقدم حلًّا مستدامًا على المدى الطويل.