ما بين شروط موسكو وحاجة الدول النامية للغذاء.. آخر تطورات صفقة الحبوب عبر البحر الأسود
يعيش العالم أزمة جديدة متعلقة بانسحاب روسيا من صفقة نقل الحبوب عبر البحر الأسود، على هامش الحرب الروسية الأوكرانية.
وأثار انسحاب موسكو من الصفقة جدلًا واسعًا على الصعيد الدولي، وهو ما قد يدفع بحدوث مجاعات في بعض الدول الأكثر احتياجا للحبوب، والتي أشارت روسيا إلى أن هذه الدول لم تحصل إلا على 3% فقط من الحبوب المصدرة عبر البحر الاسود، بينما ذهبت غالبية الحبوب لدول ليست في حاجة ماسة لها.
وفي ظل حالة الجمود التي خلفها إعلان روسيا الانسحاب من صفقة الحبوب وعدم تمديدها، وضعت موسكو عدة شروط أساسية للعودة للصفقة، في الوقت الذي تمتنع فيه الولايات المتحدة والدول الغربية من تنفيذ شروط روسيا مما قد يدفع نحو مزيد من الجمود حول مستقبل الاتفاقية التي تسمل نقل الحبوب لكافة دول العالم من كييف وموسكو.
ما هي صفقة الحبوب عبر البحر الأسود؟
وصفقة الحبوب هي مبادرة لنقل الحبوب عبر البحر الأسود في إطار اتفاقية دولية كانت موقعة بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة العام الماضي، تهدف إلى إنشاء ممر أمن لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، ورفع القيود المفروضة على تصدير المواد الغذائية والأسمدة الروسية، في ظل العملية العسكرية الخاصة التي أعلنت عنها روسيا في فبراير من العام الماضي.
وجرى توقيع الاتفاقية بين أوكرانيا وروسيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة في 22 يوليو 2022 لمدة 120 يومًا، وجرى تمديد الاتفاقية لمدة 120 يومًا أخرى في 18 نوفمبر 2022، ومن ثم تمديدها 60 يومًا في 18 مارس 2023، ثم 60 يومًا أخرى في 18 مايو 2023، حتى انتهت المدة الأخير من تمديد الصفقة في 17 يوليو الجاري.
وفي هذا الصدد، قال أندريه مورتازين الكاتب والباحث في الشؤون الروسية: من الصعب أن تعود روسيا لصفقة الحبوب، لأن موسكو نفذت جميع الالتزامات التي أخذتها على عاتقها قبل سنة، وفي نهاية المطاف أوكرانيا صدرت نحو 30 مليون طن من القمح والذرة، ومن البداية كانت تنظر روسيا لهذه الصفقة على أنها برنامج لتزويد الدول النامية والفقيرة بالحبوب، وفي الوقع أن 60% من الحبوب التي صدرتها أوكرانيا نزلت في مواني الدول الغربية، وهي دول لا تحتاج لهذه الحبوب من أكل الأكل، وهذه الحبوب تستخدم في أوروبا من أجل الماشية وليس البشر وطبعًا أوروبا دفعت المال لهذه الحبوب، بينما حصلت الدول النامية في أفريقيا على 3% فقط من هذه الحبوب.
وأضاف مورتازين في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24: أبرز الدول التي حصلت على الحبوب هي الصين في المرتبة الأولى وبعدها إسبانيا وتركيا وإيطاليا وهولندا ومصر في المرتبة السادسة في ترتيب الدول التي استفادت من الحبوب، مشيرًا إلى أن الدول الغربية تتهم روسيا بأنها تريد نشر المجاعة في العالم وهو ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
شروط روسيا للعودة لصفقة الحبوب
وفيما يتعلق برفض روسيا للعودة لهذه الصفقة وتمديدها، أوضح الباحث السياسي الروسي، أن شروط روسيا معروفة تمامًا وهي تتمثل في رفع الحصار عن الحبوب والأسمدة الروسية الموجودة في أوروبا، والدول الغربية تحول دون وصل البنك الزراعي الروسي روس سيلخوز بنك بنظام سويفت وهذا ما يصعب الحسابات بين روسيا وباقية دول العالم، وبناء على ذلك نحن نتصور أن روسيا لن تعود لتمديد الصفقة لأن الولايات المتحدة وأوروبا لا يعتزمان تنفيذ الشروط الروسية وبالتالي لن توافق روسيا على تمديد الصفقة.
واختتم مورتازين تصريحاته، بـ: أن العامل الإيجابي من هذه الصفقة هو الأسعار المنخفضة على الحبوب في الأسواق العالمية، ولكن حتى إذا توقف توريد الحبوب من أوكرانيا لدول العالم، فأن روسيا تستعد لتزويد الدول المحتاجة للحبوب وبالمجان للدول الفقيرة وهو ما لم يفعله الغرب، وفي العام المقبل لن تتمكن كييف من تصدير أكثر من 10 ملايين طن من الحبوب لأن ذلك سيتم عن طريق البر وذلك بعد صدرت 30 مليون طن هذا العام في إطار الاتفاقية، وفيما يخص روسيا فأن المحاصيل الكبيرة عالية جدًا من الحبوب، وموسكو تستعد لتصدير 50 مليون طن للأسواق العالمية بما فيها مصر ودول الشرق الأوسط على الرغم من العقوبات المفروضة على روسيا، وتستطيع روسيا أن تأمن سفنها ولا تلجئ للدول الأخرى.
ومن جانب آخر، قال رامي القليوبي الأستاذ بمعهد الاستشراق بمدرسة الاقتصاد العليا في روسيا، إن السبب الرئيسي في انسحاب روسيا من صفقة الحبوب هو تأكيد كبار المسؤولين الروس على أن أي كيان يجب أن يقف على قدمين ولا يجوز أن يقف على قدم واحده، وعند إبرام الصفقة كان الاتفاق ينص على شقين، أولهما السماح الروسي بالخروج الأمن للسفن الأوكرانية المحملة بالحبوب من مؤاني البحر الأسود وقد أوفت روسيا بهذا الشق، ولكن كان هناك أيضًا شق خاص بروسيا ضم مجموعة من الأحكام أهمها فتح الأسواق العالمية أمام الحبوب والمنتجات الزراعية الأسمدة الروسية وهذا لم يحدث خلال عام كامل وبالتالي قررت موسكو الانسحاب من هذه الصفقة.
وأضاف القليوبي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، بالتأكيد أن تخاذل الدول الغربية في الوفاء بحقوق روسيا كان له الدور الرئيسي في دفع روسيا للانسحاب من الصفقة، وهناك العديد من العواقب المتوقعة لهذا الأمر، أهمها نقص الحبوب في الدول الأفريقية، ولكن موسكو ترى أن هذا النقص لن يكون كبيرًا لأن 3% فقط من الحبوب وفق التقديرات الروسية كانت تذهب للدول الأكثر فقرًا، بينما كان يذهب أكثر من 70% من الحبوب لدول غنية وليست في حاجة لها.
وفيما يتعلق بالشروط الروسية للعودة للصفقة، أكد القليوبي على أن أهم شرطين رئسيين لعودة روسيا لصفقة تبادل الحبوب هما، فتح الأسواق العالمية أمام الحبوب والأسمدة الروسية، وإعادة توصيل مصرف روس سيلخوز بنك الزراعي الروسي بمنظومة سويفت العالمية للتحويلات المالية.
استئناف صفقة تصدير الحبوب
وقال مساعد الرئيس الروسي فلايديمر بوتين، اليوم الثلاثاء: سنكون مستعدين للعودة إلى اتفاق الحبوب إذا تم الوفاء بالالتزامات الغربية تجاة روسيا، وفقا لما نشرته وكالة تاس الروسية للأنباء.
وكذلك أعلن سيرجي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي، اليوم الثلاثاء، أن استئناف صفقة تصدير الحبوب، التي تم تعليقها اعتبارًا من 17 يوليو، مستحيلة بدون مشاركة موسكو، مشيرًا إلى أنه في الوقت الحالي لا تجري مفاوضات بشأن تمديد مبادرة البحر الأسود، وقد أعربنا بوضوح عن موقفنا، ولم يتم استئناف مبادرة البحر الأسود بعد 17 يوليو حيث عارضنا ذلك.
وكانت روسيا قد انسحبت الأسبوع الماضي من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بأمان عبر البحر الأسود، حي ألغت ضمانات الملاحة الآمنة ومنذ ذلك الحين لم تبحر أي سفن من الموانئ الأوكرانية، حيث اعتبرت موسكو أن السفن الأوكرانية وسفن الدول الأخرى التي تخرج من الموانئ الأوكرانية محملة بالحبوب هي أهداف عسكرية مشروعة للقوات الروسية.