وزير الأوقاف في خطبة الجمعة: من لا خير فيه لأهله ووطنه فلا خير فيه أصلًا.. والإخلال بالواجب الوظيفي إثم كبير
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة 25/ 8/ 2023م خطبة الجمعة بمسجد ناصر بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، تحت عنوان: قضاء حوائج الناس بين الواجب والمندوب، بحضور اللواء عبد الحميد الهجان محافظ القليوبية، والمستشار عمر مروان وزير العدل، ومحمد القصير وزير الزراعة، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، ولفيف من قيادات الدعوة بالمديرية، ولفيف من القيادات الشعبية والتنفيذية، وجمع غفير من رواد المسجد.
وفي خطبته، أكد محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن الإسلام فتح باب الخير واسعًا، حيث يقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، ليبين أن العبادة بمفهومها الواسع تشمل كل وجوه الخير، فمعنى أن تكون عبدًا لله أن يجدك حيث أمرك وأن لا يجدك حيث نهاك في كل فعل أو ترك، وأبواب الخير كثيرة منها قضاء حوائج الناس.
وأضاف أن قضاء حواج الناس من أهم القربات إلى الله تعالى، وهو إما أن يكون واجبًا محددًا يأثم من يتركه أو يخل به، وإما أن يكون مندوبًا أو مستحبًا يثاب من يفعله، وقد يكون قضاء حوائج الناس ماليًّا، وقد يكون خدميًّا، فالجانب المالي محدد بالزكاة التي هي ركن كالصلاة، فمن لم يؤد زكاة ماله كتارك الصلاة سواء بسواء، وأما الجانب الخدمي فكل من كُلَّف أو تولى عملًا عامًّا أو خاصا، وكل من يتقاضى راتبًا مقابل القيام على خدمة من خدمات الناس، أيًّا كان وضعه كالطبيب في مشفاه، والمعلم في المدرسة، والموثِّق والخبير وكل من يقدم خدمة وجب عليه أداء حقها وقتًا وأداءً.
وتابع: فإن أخل بالوقت أو بالأداء كان آثمًا؛ لأنه يتقاضى أجره وراتبه على أداء هذه الخدمة، فأداء الواجب بتفانٍ وإخلاص أمر ثوابه عظيم، وإن قصر في أدائها فهو يأكل سحتًا بمقدار تقصيره، وعلى أصحاب الأموال أن يؤدوا زكاة أموالهم، فإذا ما أدى الإنسان الخدمة الواجبة والزكاة الواجبة انتقل بعد ذلك إلى الفضل والسعة وهو باب الصدقات والإحسان، فالطبيب يؤدي واجبه في معالجة مرضاه ثم يحسن معاملتهم، وإحسان معاملتهم صدقة، والمعلم يؤدي دروسه في المدرسة ويحسن إلى طلابه وإحسانه إلى طلابه صدقة، فالصدقة لا تنحصر في المال، حيث يقول سبحانه: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ، أيَّ خير، ولا خير يتقدم على قضاء حوائج الناس، ويقول سبحانه: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.
وواصل: جاء لفظ خير ولفظ شيء نكرة ليعم كل وجوه الإنفاق، فالكلمة الطيبة صدقة، والإحسان إلى المتعاملين صدقة، والتلطف في قضاء الحوائج بر وصدقة، فإذا وجدت الناس يجلسون في الشمس واستطعت أن تجلسهم في الظل، أو أن تهيئ لهم مكانًا، أو أن تسرِّع في معاملتهم، أو أن تخصص عددًا أكبر من الموظفين لسرعة قضاء حوائجهم فهذه صدقة يثاب عليها المرء حتى على وظيفته العامة إن قصد بها وجه الله عز وجل، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً، فإذا قمت بعملك على الوجه الأكمل فهو لك صدقة، لأنك أحسنت أداء العمل.
قضاء حوائج الناس من أهم القربات إلى الله تعالى
وأكد وزير الأوقاف أن الإسلام جعل قضاء حوائج الناس والتكافل المجتمعي في منزلة عاليه، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وقد قالوا: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، وحتى إلى جانب الأديان فالفطرة الإنسانية السوية تدعو إلى قضاء حوائج الناس، فهذا حاتم الطائي قبل الإسلام يقول:
يَقولونَ لي أَهلَكتَ مالَكَ فَاِقتَصِد
وَما كُنتُ لَولا ما تَقولونَ سَيِّدا
ويقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه يستغن عنه ويذمم
سواء كان هذا على مستوى الأسرة أو القرية أو المدينة أو الدولة، فمن بخل على أسرته أو قريته أو على وطنه، فما فائدة هذا الثراء، فمن لا خير فيه لأهله ووطنه فلا خير فيه أصلا، يقول حاتم الطائي:
أَماوِيُ إِنَّ المالَ غادٍ وَرائحٌ
وَيَبقى مِنَ المالِ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
أَماوِيُ ما يُغني الثَراءُ عَنِ الفَتى
إِذا حَشرَجَت نَفسٌ وَضاقَ بِها الصَدرُ
ويقول الشاعر:
فلا الجود يُفني المال قبل فنائه
ولا البخل في مال الشحيح يزيدُ
ويقول الشاعر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ
وَأَنَّ الَّذِي يُعْطِيكَ غَيْرُ بَعِيدِ
وتابع: يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، وجَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ"، فسابقوا وسارعوا فالموت يأتي بغته، والموت يأتي فجأة، تصدق قبل أن يقال: "لك يا ابن آدم! جاءوا ودفنوك، وفي التراب وضعوك، وعادوا وتركوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، وليس لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت".
وأكد أن الإحسان يكون بالكلمة قبل المال، فالسيدة عائشة (رضي الله عنها) كانت تطيّب دراهم ودنانير الصدقة بالمسك، وعندما سُئلت (رضي الله عنها) عن ذلك أجابت: لأن الصدقة تقع في يد الله سبحانه قبل أن تقع في يد الفقير والمسكين والمحتاج، يقول سبحانه: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"، والأهم أن تعطي السائل أو أن ترده ردًا جميلًا يقول سبحانه: "وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ"، وهذا ليس في المال فحسب، فإذا كنت في الخدمة العامة، وجاء من يسأل أو يستفسر، فإن كانت عندك المعلومة فأجبه، وإن لم تكن عندك فاعتذر له اعتذارًا رقيقًا ووجهه توجيهًا صحيحًا، افعل ما شئت فكما تدين تدان، يقول الشاعر:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ وقد قالوا: افعل الخير في أهله وفي غير أهله فإن وافق أهله فهو أهله وإن لم يوافق أهله فأنت أهله، فالكريم لا يكون لئيمًا أبدًا ولا يكون سبَّابًا ولا مؤذيًا ولا فاحشًا.
وفي ختام خطبته هنأ وزير الأوقاف أبناء محافظة القليوبية وأهلها الكرام بعيدها القومي متمنيًا لهم ولمصرنا العزيزة كل توفيق وتقدم وازدهار.