الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اللوحة الحائرة

الجمعة 15/سبتمبر/2023 - 05:21 م

 من القصص التراثية الحقيقية اللي كان ليها صدى عالمي هي اللي حصلت مع رسام إيطالي موهوب كان عايش قبل 150 سنة تقريبًا وتم تداول قصته بعد كده على مدار عشرات السنين يمكن كمان أكتر من تداول اللوحات اللي رسمها أو حتى اسمه اللي تضاربت الأقوال عنه!.. فيه اللي قال إن اسمه "ألفريدو"، واللي قال إن اسمه "بييرو"، واللي قال "جوتو"، وغيرهم وغيرهم!

يمكن معنى القصة وبسبب قوته هو اللي طغى على التفصيلتين دول، وعشان كده وبسبب عدم التيقن بنسبة 100% من اسم الشخصية صاحب القصة الأصلي هكتفي بذكره بكلمة "الرسام".. المهم إن الأخ الرسام الإيطالي ده كان من أكتر الرسامين الموهوبين في الفترة الزمنية دي.. موهبة حقيقية مش مصطنعة.. لكن ورغم الموهبة الطاغية كان بيقابل انتقادات عمال على بطال من ناس بيفهموا في الفن أو مش بيفهموا!.. كل واحد بقى يتبرع يقول رأيه في لوحاته للدرجة اللي خلّته يشك في جودة اللي بيرسمه أساسًا!

ماتقدرش تقول إن الغيرة والحقد من نجاحه اللي بدأ يحققه كانوا أبرياء من جزء كبير من الانتقادات غير الموضوعية دي.. أصل أنت مثلًا كـ جار له تخيل إنك بين يوم وليلة تلاقي جارك الشاب الغلبان الرسام اللي كل اللي بيعمله من وجهة نظرك مش أكتر من شخبطة بقى معروف ومشهور!.. مش كل النفوس هتكون صافية تجاه التغير ده وبالتالي هتلاقي ألف متطوع ومتطوع يقولوا إن الشغل بتاعه ده أي كلام!.. بدأت نغمة الانتقاد لشغل الرسام تزيد، وزادت معاها رغبته في إنه يرضي اللي بينتقدوه.. الرسام يسأل واحد من المتخصصين في الفن اللي انتقدوه: أنت إيه اللي مش عاجبك في الرسمة الفلانية؟.. يترد عليه كذا كذا كذا.. يقول: تمام.. ويبدأ يعدل في تفاصيل الرسمة عشان تتناسب مع الرأى اللي اتقال.. بعد شوية يظهر حد متخصص تاني ينتقد نفس الرسمة ويعيب في تفصيلة صغيرة فيها وبالصدفة تكون هي نفس التفصيلة اللي تم تعديلها بالفعل بناءًا على نصيحة المتخصص الأولاني!.. الله!.. يقوم الرسام عامل تعديل جديد مبني على نصيحة الراجل التاني وبالتالي يلغي تعديل الراجل الأولاني.. كمان شوية يظهر شخص غير متخصص ولا ليه فيها يقول أيوا بس لو عملنا كذا كذا كذا اللوحة هتبقى أفضل!.. ممم طب وبعدين!.. الاتنين الأولانين كانوا متخصصين وناس فاهمة في الشغلانة والمجال لكن بالنسبة للأخ الثالث ده إيه الكلام!

الخلاصة إن الرسام بقى في دوامة وعايش على محاولة إرضاء الكل اللي في النهاية جت على دماغه هو وبس.. دخل في نوبة إكتئاب وفقد ثقته في نفسه وموهبته لدرجة إنه فضل شهر كامل إيده ماتلمسش فرشة رسم!.. لحد ما في يوم وبعد نصيحة من مراته قرر يعمل تجربة يعلم فيها الناس درس عمرهم وعمره هو كمان.. رسم لوحة كبيرة.. كبيرة بشكل ملحوظ ومُلفت وجميلة.. فضل يرسم فيها أسبوعين كاملين وبعد ما خلصها حطها في أكبر ميدان في المدينة اللي هو فيها.. علق فوق اللوحة ورقة مكتوب فيها بشكل واضح: (لو رأيت شيء يحتاج للتعديل في هذه اللوحة قم برسم دائرة حمراء فوق الجزء الذي يحتاج للتعديل).. ساب اللوحة وفوقها الورقة ومع الورقة قلم أحمر.. يومين بالظبط ورجع عشان يشوف إيه اللي حصل لقي اللوحة بتاعته بقت عبارة عن مجموعة دواير حمرا متداخلة مع بعض وشوهت المنظر كله!.. أخد اللوحة بتاعته وغاب أسبوعين تانيين رسم خلالهم نفس اللوحة تاني بنفس كل حاجة فيها على وضعها الأول وبدون ما يحط في الاعتبار أى تعديل متعلق باللي الناس قالوا عليه.. وحط اللوحة الجديدة في نفس الميدان، وفوقيها ورقة مكتوب عليها: (من فضلك لو رأيت شيء يحتاج للتعديل قم بتعديله بنفسك بهذا القلم).. وسابها مكانها.. المقصود إيه؟.. في المرة الأولى أنا طلبت منكم إنكم تشاوروا بس على الغلطة من وجهة نظركم، بس المرة دي أنا بطلب منكم إنكم تعدلوا بإيديكم الشيء اللي شايفينه محتاج للتعديل.. والنتيجة؟.. بعد يومين بالظبط رجع يبص على اللوحة لقاها زى ما هي بدون أي تعديل من أي حد!.. والخلاصة؟.. هي اللي وقف الرسام الإيطالي قالها في وسط الميدان للناس كلهم وقال لهم إن اللي بينتقدوا كتير بس اللي بيصلحوا فعلًا قليلين.


مليون واحد هينتقدك وهيشاورلك على النواقص اللي عندك أو في خطواتك اللي بتاخد رأيهم فيها بس قليلين جدًا اللي هيكونوا مهتمين ينصحوك بجد عشان تصلح ويقفوا في ضهرك لحد ما تعمل ده ويحطوا خطوات يمشوها معاك.. من بره بره الناس أساتذة تكسير مجاديف، ونقد حتى لو مش فاهمين وبدون ما يوفروا حلول أو اقتراحات.. النصيحة الحقيقية الخالصة لوجه الله لو متغلفة بنية صافية مش هتبقى مجرد كلمة تترمي وخلاص لكن هيصاحبها تفكير عملي ووقوف في ضهري لحد ما أعدل مساري.. العمارة عشان تتبني بتاخد شهور، وعشان تتهد بتاخد ساعات.. أسهل حاجة إنك تهد، وأصعبها وأدومها إنك تبني.

تابع مواقعنا