الشاعر جمال فتحي: المشهد الشعري الآن بزرميط.. وقطار الثقافة يبدأ من التعليم | حوار
* على وزارة الثقافة أن تفكر في استراتيجية جديدة تناسب العصر
* أنا شاعر عامية وكتاباتي الأخرى مغامرات وفواصل للاستجمام
رغم وفرة الأسماء من كل الأجيال في مشهد شعر العامية المصري غير أن الأصوات المتفردة وأصحاب البصمة الخاصة قلة محدودة وهذا هو قدر الشعر وطبيعته.. فالمضمار يعطي الحق دائما لمئات وربما آلاف الأحصنة حق التسابق، لكن الأهم من يبقى في النهاية في ذاكرة الكتابة، ونحن الآن في حضرة صوت شعري من ذلك النوع الذي تبقى كلماته في الذاكرة والوجدان رغم أن حضوره كصحفي متخصص في الشأن الثقافي، لكن من يقرأ قصائده وكتاباته لا يمكن أن يغفل خصوصيتها..
هو الشاعر والكاتب الصحفي جمال فتحي الذي بدأ مشواره مع شعر العامية بإصدار ديوانه الأول في السنة أيام زيادة عام 2001 عن سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة، ثم توالت دواوينه فأصدر: عينيا بتشوف كويس، جلد ميت، لابس مزيكا، فور العثور على قدمي وهذا الأخير هو الوحيد الفصيح في تجاربه الشعرية فضلا عن إصداره مجموعة قصصية بعنوان" كعب أخيل" وكتاب في الأدب الساخر بعنوان" شفاء الموجوع في أحوال دولة المخلوع" بينما ينتظر قريبا طبع أحدث أعماله وهو ديوان عامية جديد لم يصرح لنا بعنوانه قاصدا..وفي هذا الحوار يكشف لنا جمال فتحي رأيه في المشهد الشعري الآن، وكذلك في أداء وزارة الثقافة وغيرها من الأمور وإلى نص الحوار.
- ما الذي تمثله لك الكتابة وتحديدا الشعر وماذا أعطى لك؟
حقيقة لا أعرف جوابا محددا فالأمر محير حقا، لكن دعني أحاول الإجابة فأقول: الكتابة هي إبحار بلا توقف وتنقيب مستمر عن الذات، أما الشعر فرفيق مخلص لم يخذلني أبدا وربما خذلته أنا مرات.. بل الشعر هو جمال فتحي الحقيقي وهو نصفي الصامت خفيض الصوت الذي أسمح لنفسي أحيانا أن أتحدث باسمه، الشعر هو قبلة الحياة التي أتلقاها أحيانا وأنا على شفا النهاية فأعود.. وهو قطعة الخشب التي أتشبث بها فأنجو بها من أمواج كالجبال.. وهو المرآة الصافية التي أتطلع فيها إلى ذاتي.. أما ماذا أعطاني فليس بين الأحبة حساب.
تنوعت إصداراتك أغلبها ذهب لشعر العامية وبعضها للفصحى والسرد وغيره.. فما سر هذا التنوع؟
كل هذه الوجوه في النهاية تعبر عني وهي مسارات وطرق مختلفة للسير في اتجاه واحد وربما فقط من أجل متعة السير ودهشة المغامرة، وعن نفسي أبدأ الكتابة بلا قيد أو شرط ولا يحدث أن أجلس مثلا فأقرر أن التجربة القادمة رواية أو قصيدة، سرد أو شعر، فالتجربة التي تتحرك في أحشاء الخيال تختار ملامحها وعلى الكاتب أو الشاعر أن يطيعها بحذر ويحافظ عليها من التشوه.
وفي أي لون أدبي من كل ما سبق وجدت نفسك؟
هذا سؤال صعب! فالبحث عن الذات واكتشافها أمر مرهق وكل ما سبق وكل تجربة أدبية أو حتى كل قصيدة أو سطر في قصة يقربك خطوة، لكن النفس أو الذات تظل بعيدة وما يحدث فقط أننا كلما اقتربنا منها وشاهدنا أضواء الذات من بعيد شعرت أنني على الطريق الصحيح فواصلت المسير.. لكنني في الحقيقة لم أصل بعد لكن دعني أشير إلى أنني رغم هذا التنوع لا أرى نفسي إلا شاعر عامية وكتاباتي الأخرى مغامرات وفواصل للاستجمام حتى وإن دفعتني إلى ذاتي عن طريق مختلف.
لكننا نلحظ غياب الرواية عن إنتاجك فهل هذا مقصود؟
إطلاقا بل بالعكس فأنا فعلا "شغال" منذ فترة على رواية لكنني "هادي" جدا في تعاملي مع تجاربي الإبداعية وقد يكون هذا أمرا سلبيا لكنها الحقيقة، فأنا لا أنجز أعمالي بسرعة وفي الغالب تأخذ مني وقتا طويلا لأسباب مختلفة ربما أهمها شكي الدائم في صدق التجربة التي تطاردني فلا أستجيب لها إلا بعد إلحاحها بشدة على ذهني ووجداني.
كيف ترى المشهد الأدبي والثقافي المصري بحكم كونك أحد المنتمين له فضلا عن عملك كمحرر ثقافي منذ سنوات؟
أرى المشهد أكثر سيولة وصخبا عن ذي قبل، وكلما مرت السنوات زاد التشوش والصراخ، واستفحل الأمر بسبب السوشيال ميديا والنوافذ اللانهائية التي سمحت أن يطل علينا مئات وربما آلاف وكلهم كتاب وشعراء، وعلى المهتم أن يفرز وينتقي من الجموع التي تسير في تجمعات ودوائر الكتابة البديعة والشعر الحقيقي ولا شك أن هذا موجود لكن الوصول له صار أصعب بكثير لاسيما مع تبجح أصحاب الإمكانات الضعيفة في الكتابة الذين ربما يملكون مهارات خاصة لا تتوفر لمبدع موهوب مثل "الإلحاح" و"الكلاحة".
ماذا الذي تحتاجه الثقافة المصرية لتقدم لنا من جديد نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد وعبد الصبور وحداد والأبنودي وغيرهم من رموز الأدب؟
التعليم.. التعليم..التعليم.. من محطة التعليم ينطلق دائما قطار الثقافة في مساره الصحيح، وأوكد لك عامة أن الثقافة المصرية بخير.. والله بخير لكن هذا الخير مخبوء بدرجة ما أو مهمش لصالح ثقافة الادعاء وتبادل المنافع ولاشك أن لحظة ما صادقة في عمر هذا الوطن كفيلة بأن تحل تلك الألغاز التي نراها وتنصب الحقيقيين وتمنحهم حق الكلمة وحق الوجود.
دائما ما نسمع عن أزمة النقد وأزمة الشعر.. فما هي الأزمة الحقيقية في نظرك؟
إن أكبر وأهم أزمة فعلا تواجه أي إنسان مهتم بالكتابة والقراءة بصرف النظر عن تفاصيل حياته والسياق الذي يتحرك فيه هو " لقمة العيش" وصعوبة الحياة وتوفير مصادر كافية للإنفاق على عملية الكتابة والقراءة ومتطلباتهما ومن تلك الأزمة تندلع بقية الأزمات جميعا أما النقد والشعر والسرد وكل أجناس الأدب فلا تعاني من مشاكل وتتطور بشكل طبيعي ومناسب للعصر.
كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية بحكم موقعك كمشرف على ملحق أدبي ورقي؟
الصحافة الورقية صارت ماضيا وهذا أمر لم يعد يستحق النقاش وإذا كان هناك مستقبل لأي نوع من أنواع الصحافة فللصحافة الثقافية مساحة كبيرة فيه شرط أن يبادر صناعها بتقديم حلول تناسب سرعة تحول الميديا وأدواتها في العالم.
كيف ترى أثر الجوائز الأدبية على المشهد الأدبي في مصر؟
لا شك أن وجود جوائز متنوعة وكثيرة تضخ المزيد من الدماء الجديدة في عروق "الجنس الأدبي" الذي تمنح فيه وهو أمر هام كما أن فكرة تقدير الفنون والآداب من خلال الاحتفاء بصانعها وتشجيعه أمر ضروري بل بالغ الضرورة في مسيرة المجتمعات نحو تحقيق ذاتها.. وهذا كله يتطلب ويشترط موضوعية الجوائز ونزاهة القائمين عليها وشفافية مراحلها كافة وهنا لنا وقفة فالكثير من الجوائز إذا قلت لى من المحكم فيها أقل لك فورا من الفائز!
هل تشكك في نزاهة تحكيم الجوائز المصرية بحديثك هذا؟
ليس هذا هو المقصود ودعني أشرح لك، إن مسألة الجوائز تدور في دائرة علاقات معقدة ذات أكثر من وجه. صارت "سبوبة" أطرافها متعددة منها الناشر والناقد عضو لجنة التحكيم والجهة المنظمة وجميع الفاعلين في الوسط يعرفون ذلك،وهذا يتجلى أكثر في الجوائز العربية أما الجوائز المصرية كجوائز الدولة أو معرض الكتاب أو ساويرس مثلا فيحدث فيها " جرائم أدبية" لكنها تمر مرور الكرام وذلك ليس حكما عاما فلا شك أن هناك اسماء جديرة دائما بالتقدير تنفلت من هذه المنظومة وتصعد لمنصة التتويج وعن نفسي أعرف كثيرا ممن يحكمون في جوائز الدولة لا يصلحون لهذه المهمة حرفيا.. فما بالك بمن يفوزون بها.
بما أنك تعتبر أن مشروعك الأساسي هو شعر العامية المصرية دون غيرها من الكتابات فكيف ترى مشهد شعر العامية الآن؟
دعنا نصف المشهد الشعري بأكمله بأنه "بزرميط" وهذا الوصف في نظري ينسحب على الشعر بجناحيه الفصيح والعامي، ولا شك أن هناك دائما وأبدا أصوات حقيقية وتجارب لافتة تستحق التقدير لكن بشكل عام يهيمن الصخب والدوشة على المشهد حتى يصعب عليك الوصول إلى الحقيقي من كثرة الزائف وإلحاحه.
ولماذا تخفي عنوان ديوان الجديد؟
الأمر ليس مقصودا أو أن هناك سر بخصوصه ولكن التجربة علمتني أن الغلاف الذي لم يطبع فهو ليس الكلمة النهائية وديواني الأخير مثلا " لابس مزيكا" غيرت عنوانه 5 مرات وكان العنوان الأخير هو الذي اخترته يوم الطبع لذا صرت حريصا أن أتريث في التصريح بشيء لم يصبح حقيقة بعد.
هلا ختمت ببعض من شعرك؟
في كل طلعة شمس زرعت حبة أمل/ وسبتها تكبر/
وف كل ليلة زرعت عين/ وسبتها تسهر/
وفي كل شارع زرعت خطوة/
وفي كل عين شفتها/ زرعت صورتي/ وسبتها ومشيت.