الضغط المميت
• من 4 سنين في بريطانيا كان فيه حدث أخد حظه من الانتشار وقتها متعلق بشاب لطيف اسمه "دين وايمز".. "دين" شاب كان عايش في مدينة "بيتربورو" مع أسرته وبيشتغل في نفس المدينة.. "دين" كان موهوب في كتابة السيناريو بشكل كبير.. موهبة ملموسة كل اللي شافوا جزء منها أشادوا بيها وبيه.. من وجهة نظري الشخصية كـ تامر وكواحد بيحب الهواية دي برضه زى "دين" خليني أقول إنها هواية مرهقة بشكل كبير.. ممتعة لكن مرهقة.. ليه؟.. لإنك دايمًا هتبقى في حيرة ما بين شغلك الثابت الأساسي اللي قدرت تثبت نفسك فيه وما بين موهبتك.. الكتابة محتاجة ذهن صافي في معظم اليوم وده للأسف مش بيكون متوفر لو بتشتغل في شغلانة تانية بعيدة عن الكتابة.. طب تخيل إن الأمر بيبقى صعب حتى لما تكون بتشتغل شغلانة تانية في الكتابة كصحفي مثلًا أو صانع محتوى لإن كتابة السيناريوهات مهمة شاقة مش بتحب شريك ليها في عقلك.. والحل؟.. التفرغ التام!.. المهم إن الأخ "دين" كان عنده نفس الأزمة اللي موجودة عند معظم الكتاب.. شغل الصبح في شركة أمازون بياخد معظم وقته وبيرجع منه تعبان مش قادر يركز في أى حاجة غير إنه ياكل ويدخل ينام.. الفكرة كمان إن "دين" كان بيعاني من شدة مديرته معاه في الشغل.. يعني لما تشوفه في وقت البريك واللي مدته بتكون نص ساعة يوميًا ماسك كتاب بيقرا أو حتى بيشخبط على ورق معاه في فكرة جاتله كانت بتزعق له عشان شايفة إنه كده بيشتت نفسه!.. أنت هنا موظف مبيعات مش كاتب.. يا ستي وإنتي مالك!.. أنا كده كده في وقت الراحة بتاعتي.. لأ يعني لأ.. ضيف بقى لحجم الغلاسة دي تضييق عليه في أوقات الإجازات، وخصم مستمر من مرتبه لأى هفوة غير مقصودة، وضغط وتعب أعصاب متتالي.. والنتيجة؟.. "دين" كان عايز يسيب الشغل النهاردة قبل بكره بس ارتباطه بإلتزامات كانت في رقبته كان هو الحائل بينه وبين قراره!.. أنا دلوقتي عندي 24 سنة لو مشيت من الشغل هصرف على نفسي منين؟.. مفيش.. يبقى أكمل وأنا ساكت.. شوية بشوية كان بريق موهبة "دين" بيختفي وبدأ ينسى الكتابة ومش كده بس ده كمان للأسف كان بصدد الانتحار في أى لحظة بحسب اللي هو قاله!.. ما هو الضغط المتتالي ده لازم يولد انفجار ولما إن الإنفجار مش هيحصل بإنه يسيب الشغل يبقى لازم رد الفعل يا هيجيله في تعب صحي يا قرار أصعب إنه يسيب الدنيا واللي فيها.. في يوم وبعد فشل واحدة من محاولات انتحاره دخل سوبر ماركت عشان يشتري ساندوتش فماكنش فيه فلوس باقية فالكاشير عرض عليه إنه يديله بالباقي مش لبان زينا لكن ورقة يانصيب بشوية الفكة اللي باقية!.. يالا يا عم مش مهم يانصيب يانصيب أهي كده كده ورقة وهتترمي في جيب البنطلون اللي ورا ولما أوصل البيت هتترمي على مكتبي.. بس المفاجأة الغريبة والعظيمة في نفس الوقت إن لما تم الإعلان عن الجائزة كان "دين وايمز" هو الفائز بالجائزة الكبرى واللي هي إيه؟.. 10 آلاف يورو شهريًا لمدة 30 سنة!.. يعني 120 ألف يورو في السنة يعني في الـ 30 سنة هياخد إجمالي 3 مليون و600 ألف يورو.. متخيل الرقم!.. طب هو أصلًا مرتبه في أمازون كان كام؟.. 3500 يورو!.. يعني أكتر من مرتبك بـ 3 أضعاف يا عم "دين" وبدون شغل زى الباشا لمدة 30 سنة.. أول حاجة عملها "دين" بمجرد ما فاق من الصدمة السعيدة إنه قدم استقالته من شركة "أمازون" وقرر يتفرغ للكتابة والتركيز فيها بذهن صافي.. وحصل فعلًا!.
• الشهر اللي فات كان فيه حادثة مأساوية في منطقة الطالبية في الجيزة.. الشاب المصري "محمد" اللي في الثلاثينات من عمره كان واخد عهد على نفسه إنه يشتغل ليل نهار عشان يقدر يحسن دخله ويبني مستقبله خصوصًا في الظروف الصعبة الحالية على الكل.. بقاله على الحال ده سنتين بالظبط بيشتغل شغلانتين في اليوم الواحد.. في نهاية كل شهر يقبض المرتبين ويسلمهم بإيده لوالدته عشان تحوشهم عشانه.. 24 شهر مضروبين في مرتب وظيفتين يعني 48 مرتب تم تسليمهم لأمه والست كانت بتديله مصروف بسيط يمشي بيه حاله كل شهر عشان مينفعش يمشي بدون فلوس.. في بداية الشهر اللي فاتت قرر "محمد" إنه يستثمر الفلوس اللي حوشها مع أمه في مشروع خاص بيه كان بيدرسه بقاله فترة دراسة متأنية وشاملة لحد ما وصل لقناعة إن ده الوقت المثالي للتنفيذ.. والمطلوب؟.. الفلوس طبعًا.. كلم والدته وطلب منها فلوسه وكانت المفاجأة إن الأم رفضت وبشكل قاطع تديله مليم حتى!.. إيه ده!.. دي فلوسي، وعايزها!.. لأ طبعًا مفيش حاجة اسمها فلوسك!، أديلك الفلوس عشان تصرفها يمين وشمال!.. المشكلة إن "محمد" شخص عاقل بجد وكل الناس اللي حواليه عارفين ده يعني مستحيل هياخد خطوة غير لما يكون حاسبها بالتالي حجة الأم إنه ممكن ياخد الفلوس ويفرتكها في حاجات تافهة هي حجة خايبة مالهاش قيمة ولا معنى.. الأم صممت على رأيها.. "محمد" اللي كان كإنه بيشوف وش جديد لأمه أول مرة يشوفه استعان بناس قرايبهم عشان يحاولوا يقنعوها تدي الولد فلوسه بس هي فضلت مصممة لدرجة إنها قالتله استعوض ربنا في الفلوس دي خلاص وأنا مش هديهالك إلا في الوقت اللي أنا أشوفه مناسب.. خلاصة الكلام الولد ماقدرش ياخد منها لا حق ولا باطل.. والنتيجة؟.. تحت ضغط قلة الحيلة قرر الشاب العاقل المحترم المتدين يشتري حبة غلة ويبلعها وينهي حياته في ثواني!.. فجأة كده مات "محمد" وذنبه بقى في رقبة والدته اللي مفيش أى تهمة تم توجيهها ليها وتم صرفها بعد أخذ أقوالها وكانت منهارة لإنها ماكانتش فاكرة إن ممكن "محمد" يموت بالطريقة دي وماجاش في بالها إن ضغطها عليه ممكن يخليه يضيع من بين إيديها للأبد.. الفلوس هتفضل معاها، بس مش هتلمح طيف ابنها تاني.
• الضغط مميت.. الضغط في العلاقات، في الشغل، في الصداقة، وفي كل أشكال التعاملات الإنسانية.. مينفعش تخلّي حد ضهره للحيطة وتقول له اتصرف.. هيعمل إيه يعني!.. مينفعش تبخل بحلول.. مينفعش تبخل بشوية تسامح في وقت الحاجة.. مينفعش تبخل بشوية تكريم للي يستحق.. مينفعش تبخل بشوية وقت لحد قريب منك ماكنش محتاج أكتر منهم.. البخل بيسبب الضغط، والضغط بيولد الانفجار.. كل شيء في الدنيا له حدود إلا رد فعل شخص حملته فوق طاقته بقسوتك وعدم فهمك له وانتظرت منه إنه يكمل حياته عادي.