البحوث الإسلامية: العالم أحوج ما يكون إلى صوت الحكمة بعد ما أحدثته غطرسة القوة من آلام
شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد في فعاليات الجلسة التحضيرية لمؤتمر زعماء وقادة الأديان العالمية والتقليدية، الذي يعقده مركز نور سلطان نازاراباييف لتطوير الحوار بين الأديان والحضارات بمدينة نور سلطان بجمهورية كازخستان.
البحوث الإسلامية: العالم أحوج ما يكون إلى صوت الحكمة بعد ما أحدثته غطرسة القوة من آلام لن تنتهي نتائجها بعد
وأكد الأمين العام خلال كلمته التي تناولت دور الأديان في تحقيق العيش المشترك والسلام العالمي والتنمية المستدامة، أهمية هذا الموضوع الذي يعدّ موضوع الوقت، وحديث العصر، ويتطلع العالم أجمع إلى ما يمكن أن تقوم به المؤسسات الدينية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق السلم والتنمية للناس جميعًا، مشيرا إلى حال العالم وما يعيشه من آلام؛ نتيجة غطرسة القوة واستعمال السلاح، وبطش الظالم، ومساعدة المستبد، وهو أمر إن أكد على شيء فإنما يؤكد على أن العالم في يومنا هذا أحوج ما يكون إلى صوت الحكمة والعقل، هذا الصوت الذي يمكن له ومن خلاله أن يعود إلى صوابه ويطمئن إلى خطواته.
وقال الأمين العام، إن هذا الصوت يكون من خلال قيم الدين وتعاليم السماء؛ ذلك أن هذه القيم تتميز بالموضوعية لصدورها عن خالق عليم خبير، فضلًا عن هذا فإن هذه التعاليم الدينية تبتعد عن هذا النفاق السياسي الذي يغض الطرف عن حقوق المظلوم، ويلتمس حقوق الظالم، ويبرر أفعالًا للمغتصب، وينكر على الضحية أن تدافع عن نفسها، وأن تدفع ما يرد عليها؛ ومن ثم فالحاجة إلى صوت السماء أراه لا مفر منه ولا بديل عنه، مضيفا أن الحقيقة الكبرى التي لا نملّ من إعلانها والتأكيد عليها في كلّ محفل عالميّ يناقش قضايا التعايش المشترك هي أنّ القرآن الكريم لم يجعل من اختلاف الشعوب والثقافات منطلقًا للنزاع والشقاق، بل على العكس من ذلك تمامًا، فهذه الاختلافات تعدّ من وجهة النظر الإسلامية منطلقًا للتعارف والتآلف والتعاون في كلّ ما من شأنه أن يعود بالخير على الجميع.
وأضاف عياد، أن من مقتضيات المواطنة والعيش المشترك: احترام ثقافات الشعوب ومعتقداتها وحقوقها والمحافظة على أرضها وأموالها وأعراضها وأبنائها باعتبار أن ذلك من مقاصد الدين الإلهي، كما أن هذه المحافظة تساعد على فتح آفاق التعاون بين البشر؛ فمن حقّ كلّ أمة أن تكون لها ثقافتـها ومنظومتها الاجتماعية والسياسية والقيميّة الخاصة بها والحوار المستمرّ بين الثقافات هو الذي يبقي عليها، ويضمن تجديدها المتواصل، ويرسّخ قيم التسامح والاحترام المتبادل والتعددية الثقافية، مشيرًا إلى تأكيد فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف دومًا على أننا حينما ندعو إلى أوّليّة صنع السّلام بين علماء الأديان ورموزها؛ فإنّنا لا نعني مطلقًا الدّعوة إلى إدماج الأديان في دين واحد، فمثل هذا النّداء لا يقول به عاقل ولا يقبله مؤمن أيًّا كان دينه؛ وأننا ممّن يؤمنون بأنّ فكرة الاندماج هذه فكرة مدمّرة للأديان، ومجتثّة لها من الجذور، وهي في أفضل أوصافها خيال عبثيّ غير قابل للتصوّر، فضلًا عن التحقّق.. وكيف لا وقد قضى الله أن يجعل لكل منّا شرعةً ومنهاجًا!! وما نقصده هو الدّعوة إلى العمل الجاد من أجل تعزيز القيم المشتركة بين الأديان، وفي مقدّمتها: قيمة التّعارف الحضاري، والاحترام المتبادل والعيش المشترك بين النّاس، وأن العالم الحديث يواجه أخطار عديدةً تهدده في منظوماته القيمية والاجتماعية والدينية. ونحن أهل سفينة واحدة، ومجتمع واحد، ونريد بالإرادة والانتماء والمصير المشترك، أن نسهم معًا في إنقاذ مجتمعاتنا ودولنا، وتصحيح علاقاتنا بالعالم، عن طريق العمل الجادّ حتى نوفر لأبنائنا وبناتنا فرصًا في مستقبل واعد، وحياة أفضل.
وختم عياد كلمته بمجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في بعض الحلول، ومنها: أنه يتعين على قادة الأديان تعزيز التواصل المستمرّ وتنسيق جهودهم من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التوسع في إقامة اجتماعات دورية وورش عمل لتبادل الأفكار وتطوير استراتيجيات مشتركة، تحفيز المجتمعات لتبني سلوكيات وأساليب حياة مستدامة. ويمكن ذلك من خلال إلقاء خطب ونصائح دينية تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على البيئة والمناخ والطبيعة، مع ضرورة توعية المجتمعات بالقيمة العظيمة للتعايش الإنساني في سلام، وتحقيق التعاون الإنسانيّ المشترك؛ وهذا يقع على عاتق المؤسسات الدينية والمدنية، التي تضطلع بالدور الأكبر في مشافهة الجماهير ومخاطبتهم بشكل متتابع، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى صناعة برامج واضحة تدعمها القيادة السياسية الرشيدة، بالإضافة إلى أهمية مكافحة خطابات العنف والتمييز والتعصب والإقصاء على المستوى الأمنيّ والفكريّ، وقد أعلن الأزهر الشريف استعداده التام بجميع قطاعاته وهيئاته للتعاون والتكاتف مع الجميع بهدف تقويض خطابات الكراهية والحدّ من آثارها العنيفة على المجتمعات الإنسانية.