رحل من غزة إلى السماء كما تمنى.. قصة صحفي فلسطيني رثى رفاقه ولحق بهم: الكلمات باقية وإن ارتقت الأجساد
في ميدان القتال يقفون، لا يهابون رصاصات الاحتلال، كاميراتهم في مواجهة فوه بنادق العدو، صوت كلماتهم تعلو صوت الرصاص، متسلحين بالكاميرا وبيدهم القلم، يتقدمون الصفوف ويوثقون للعالم جرائم الاحتلال الغاشم، الذي يحاول اغتيال الكلمة والصورة، غير مدركًا أن الكلمات لا تموت حتى وإن ارتقت الأرواح وعانقت السماء.
لن نرحل وسنخرج من غزة إلى السماء.. إلى السماء فقط، لم تكن تلك الكلمات مجرد منشور لـ الصحفي رشدي سراج، آخر شهداء الصحافة في فلسطين، بل كانت عقيدة تحركه في الميدان، تدفعه إلى المقدمة، يوثق بها جرائم عدو غدر به وسرق منه رفاقه "شيرين أبو عاقلة، وياسر المرتجي، والشهيد إبراهيم لافي"، متشبثًا بكاميرته، ثابتًا صامدًا في الميدان، لا ترهبه القواذف كما يرتجف عدوه من ضغضطه على زر التقاط الصور، التي تحاول إسرائيل إخفائها.
ولمدة 15 يومًا، لم يغادر فيها الصحفي العشريني الميدان، وقف يرصد الأحداث وسط وابل من الصواريخ والغارات، حتى أصبح هو الحدث، وطالته تلك الرصاصات الغادرة، خلال الساعات الأولى من أمس الأحد، في حادث اغتيال بقصف عنيف استهدف منزله الواقع في حي تل الهوى غربي مدينة غزة، ليصبح الصحفي الثامن عشر الذي تطوله يد الاحتلال الملطخة بالدماء، بعد صديقه الذي لم يفرقهما حتى الموت.
رحل ساعدي.. السراج يرثي رفيق دربه قبل أسبوع من استشهاده
قبل أسبوع، ودع سراج رفيق دربه، وصاحب مشواره الصحفي، فكتب يرثيه: رحل ساعدي.. رحل إبراهيم.. عاش رجلا ومات رجلا وكانت أخلاقه أخلاق الرجال.. يحزنني فراقك ويحزنني مغيبي عنك وعن وداعك..الاحتلال الإسرائيلي قتله.. إلى رحمة الله المصور الصحفي إبراهيم محمد لافي، وبعد أيام من كتابة تلك الكلمات لحق بصاحبه الذي لم يفرقهما الموت.
الخالدة شيرين أبو عاقلة.. أصبحنا مهنة القتل والدماء
لم يكن "لافي" أول رفاق السراج، الذي اغتالهم الاحتلال، فسبقته شيرين أبو عاقلة صاحبة الكلمة الباقية، التي يتذكرها الجميع ويفتقد تغطيتها المستمرة التي دامت حتى الموت، وتعلم منها رشد الكثير في الميادين التي جمعتهما، ورثاها قائلًا: تموت الكلمات مجددًا، لم تعد الصحافة مهنة المتاعب، ولكن أصبح مهنة القتل والدماء، متابعًا حديثه بينما يعتصر قلبه لفقدان رفاقه: كما اغتالوا ياسر وأحمد وفضل وغيرهم، الاحتلال يغتال الصحفية الشجامعة شيرين أبو عاقلة.
المصور الذي أصبح صورة.. طيب الله ثراك يا ياسر
في عام 2018، كان ياسر مرتجي، مصورًا فأصبح صورة، بعدما استهدفه قناص إسرائيلي، قرب الحدود مع خان يونس جنوب قطاع غزة، خلال تغطيته أحداث مسيرة العودة، في أبريل من العام 2014، حينها كتب السراج راثيًا صديقه، بصورة تجمعهما، قائلًا: هنا المشهد الأخير من داخل خيم العودة، يومها فاضت العيون بالدموع بفعل قنابل الغاز، واليوم تفيض الدموع حزنا على فراقك وفقدك كنت نعم الأخ والصديق والصاحب والرفيق طيب الله ثراك يا ياسر.
اليوم أصبح رشدي سراج، الصحفي العامل لدى شركة “عين ميديا” الفلسطينية ومديرها، والمصور السابق لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، هو المرثي، بعدما حجبته رصاصات الاحتلال عن الميدان ومعايشة الأحداث، في مشهد أخير هو الحدث والخبر، مثله مثل رفاقه الذين رثاهم سابقًا.