الذهب أم العقارات أم البنوك.. أين يستثمر المصريون أموالهم حفاظا عليها من التضخم؟
حيرة شديدة تسيطر على كثير من المصريين الذين يرغبون في ادخار أموالهم، فكيف يستثمر المصريون أموالهم وأين يدخرونها في ظل زيادة معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة وذلك حفاظا عليها من انخفاض قيمتها؟
لماذا نهتم بمعدلات الادخار أصلا؟
يؤدي ارتفاع معدلات الادخار إلى توفير مصادر تمويل كبيرة للاستثمار بالإضافة إلى أن الادخار أحد عناصر تكوين رأس المال، ويقوم بدور رئيسي في زيادة الطاقة الإنتاجية والتنمية الاقتصادية، ولذا فالعلاقة طردية بين النمو والادخار، وبالتبعية زيادة معدلات التشغيل وخفض نسب البطالة، بالإضافة إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات ومن ثم تسريع العجلة الإنتاجية واستمرارية دوران رأس المال.
معدلات الادخار.. الحاضر الغائب في التقلبات الاقتصادية
ورغم ارتفاع الطلب على الأوعية الادخارية المختلفة، ومع ارتفاع ودائع القطاع العائلي بنسبة 50% خلال الفترة من يونيو 2020 إلى يونيو 2022، فإن معدلات الادخار العامة لا تزال دون المستوى المطلوب للتأثير بالإيجاب في التنمية الاقتصادية للبلد.
وحسب تقرير عدسة الجديد الصادر عن مشروع حلول للسياسات البديلة التابع لـ الجامعة الأمريكية بالقاهرة يرجع انخفاض معدلات الادخار إلى عدة عوامل، أهمها: الدخول المنخفضة، سوء توزيع الدخول، والارتفاعات المتواصلة في معدلات التضخم مع زيادة معدلات الاستهلاك.
والسؤال هنا أين يستثمر المصريون أموالهم في الذهب أم العقارات ام البنوك؟
يتم تداول الذهب في مصر بسعر أعلى من السعر العالمي بنسبة 55%، حيث سجل متوسط سعره محليًّا 2760 جنيهًا (89 دولارًا) للجرام عيار 21 -الأكثر تداولًا- بدون المصنعية، في حين سجل متوسط نفس العيار عالميًّا 57.23 دولارًا للجرام بما يعادل 1765 جنيهًا، وهو ما يعني احتساب سعر الذهب محليًّا وفقًا لسعر الدولار بالسوق السوداء (48 جنيهًا).
ووفق تقرير مشروع حلول للسياسات البديلة فالزيادة في الطلب على الذهب كوعاء ادخاري لم تقتصر عليه وامتدت إلى أوعية ادخارية أخرى، مثل العقارات والودائع المصرفية التي أظهر استطلاع محرك البحث عقارماب تصدر هذه الأوعية الثلاثة لتفضيلات المصريين للاحتفاظ بمدخراتهم، ويحدث هذا مع مواصلة معدلات التضخم الصعود مسجلة نحو 40.3% في سبتمبر الماضي وهو مستوى لم تصل إليه من قبل.
وتشير معدلات الادخار في الذهب والعقارات والمنتجات البنكية إلى وجود فئات قادرة على الاستثمار رغم الوضع الاقتصادي، مثلما حدث وقت أزمة كوفيد-19 في عدد من الدول حيث ارتفعت معدلات الادخار في الطبقات الأغنى وانخفضت لدى الطبقات الأقل دخلًا، ما يشير إلى تأثيرات غير عادلة للأزمات الاقتصادية في طبقات المجتمع وأنماطها الادخارية.
الذهب.. طلب مرتفع بسعر السوق السوداء
وأدت النظرة التقليدية إلى الذهب كمخزن للقيمة، إلى زيادة معدلات الطلب عليه خلال التسعة أشهر الأولى من 2023، وسجلت مشتريات المصريين منه خلال الثلاثة أرباع الأولى من العام نحو 46.4 طنًّا في مقابل 38.5 طنًّا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة 20.5%، وتشير معدلات شراء الذهب إلى أن هناك مدخرات لدى المصريين خارج الأوعية الرسمية المتعارف عليها.
العقارات.. ملاذ المدى الطويل
ويحقق الادخار في العقار عوائد تنموية محدودة للناتج القومي تتمثل في الطلب على مواد البناء والعمالة المصاحبة للإنشاء، وتنتهي القيمة المضافة للعقار بمجرد تسويقه.
وشهدت معدلات الطلب السنوي على العقار ارتفاعًا بلغ 34% في يوليو الماضي، وهو ما ترجمته أرقام مبيعات كبار الشركات العقارية في ظل غياب إحصاءات رسمية عن الحجم الإجمالي للسوق وفق بعض محللي قطاع العقارات بأحد بنوك الاستثمار.
المنتجات البنكية.. أمان أكثر بعوائد أقل
بالرغم من تآكل عوائد المنتجات المصرفية أمام معدلات التضخم فإن انخفاض معدلات المخاطرة في الادخار من خلال المنتجات المصرفية مقارنة مع الأوعية الأخرى، دفع ودائع القطاع العائلي بالبنوك إلى نمو مستمر، وخاصة بالتزامن مع تحركات سعر الصرف المتبوعة بطرح منتجات تبدو مرتفعة العائد لامتصاص السيولة المحلية من السوق في إجراء تقليدي لمكافحة التضخم.
والادخار في المنتجات المصرفية من أكثر الأوعية الادخارية التي تعمل بشكل مباشر على زيادة معدلات نمو الناتج القومي بإعادة استثمارها عن طريق الحكومة كاستثمارات عامة أو المقترضين (قطاع خاص).
وكانت البنوك العامة طرحت في يناير 2023 شهادات استثمار بفائدة سنوية 25%، ورغم ارتفاع سعر الفائدة على هذه الشهادات مقارنة بباقي المنتجات الأخرى فإن الفائدة عليها تعد سالبة في ظل متوسط معدل تضخم بلغ 33.7% خلال الـ10 أشهر الأولى من العام.
لماذا لدينا معدلات ادخار متدنية؟
أولًا، مستويات الدخول: تصنف مصر ضمن الدول متوسطة الدخل في مستواه الأدنى بحسب الدكتورة هبة الليثي مستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: إن معدلات الادخار ترتبط بمستويات الدخول بشكل طردي.
ثانيًا، معدلات التضخم: تؤدي الارتفاعات المتواصلة في معدلات التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للدخول، وبالتالي يتطلب الحفاظ على معدلات ادخار مرتفعة زيادة الدخول بنفس مستوى زيادة الأسعار وهو ما لا يحدث. في الوقت الذي سجل التضخم متوسطًا تجاوز الـ33% فإن الزيادات الرسمية في الرواتب تراوحت بين 15% للعاملين في القطاع الإداري، و25% لأصحاب الدخول الفئوية، مثل المعاشات وفقًا لـ"الليثي".
ثالثًا، معدلات الاكتناز (الادخار غير المنتج أو خارج القطاع الرسمي): يتم احتساب معدل الادخار على أساس المدخرات في القطاع الرسمي، وغالبًا ما يساهم القطاع المصرفي -نظرًا إلى إمكانية استثمار هذه المدخرات- في زيادة معدلات النمو، بينما لا يمكن احتساب عمليات الاكتناز ضمن معدل الادخار.
وتتعدد صور الاكتناز (الاحتفاظ بالمدخرات خارج القطاع المصرفي أو أوعية غير منتجة)، وتتمثل في مشتريات الذهب والدولرة وشراء الأصول مثل الأراضي، وهي طريقة ادخار تؤثر سلبًا في المعدل العام للادخار القابل للاستثمار.