كأنه أنا.. قصة طيف الشيخ عبد الجواد الذي يطارد محمد الباز
"50 عامًا أحملها على ظهري، أحب أيامى لأنني عشتها كما أريد، تصالحت مع نفسي مبكرًا، فلم ترهقني عاديات الزمن، أسير بين الناس بلا خوف من القادم لأنه ليس بيدي، رضيت بما قسمه الله لي وأطمع أن يكون قد رضي عني".. هكذا قدم الكاتب محمد الباز أحدث إصداراته "كأنّه أنا.. حياة فوق كف الله" التي يودع بها 50 عامًا مرت من حياته.
يمتاز محمد الباز بغزارته الإنتاجية فلا يمر عام دون أن يكون له النصيب من مؤلفات الباز ولا يمكن أن تحدد له لونًا واحدًا تنحصر فيه كتاباته، ففي الإسلام السياسي تقرأ له الإسلام المصري الذي أصدره قبل سنوات بعيدة، وربما لو صدر في الوقت الحالي أو أعيد طبعه لتسبب في جدل واسع في موضوعاته التي يشتبك فيها الباز مع كل شيء يخص الإسلام في مصر الذي يراه قد اكتسب لونًا مصريًا فريدًا، حتى أصبح الإسلام في مصر مميزًا عن البلاد الأخرى حتى في البلد الذي نزل فيه الإسلام.
وفي السير الذاتية، كان للباز نصيب وقد يكون الأفضل فيها "هيكل المذكرات المخفية - السيرة الذاتية لساحر الصحافة العربية" التي قدم فيها سيرة الأستاذ من أوراقه الخاصة ومن كتاباته بمجهود خاص منه بعدما شغلت هيكل واجباته ومشروعاته ومحاضراته ومعاركه ثم خطفه الموت، قبل أن يوفي اتفاقه مع الباز ليروي له تاريخه الشخصي بعدما أقنعه أنه سيكون قادرًا على الكتابة - إذا سمحت الأقدار بذلك- لخمسة أجيال قادمة ـ.
وحتى الرواية دخل الباز إليها بـ"الزينة.. سيرة وجع"، التي يرى أنها فكت عقدة لسانه في الحكي وربما تستشعر في حديثه عنه من عدم الارتياح أو ظنًا أنه قد خان كتابته الصحفية الأقرب له، عندما قرر أن يقدم عمل روائيًا، ففي إحدى المناقشات تحدث عنها قائلًا: "مكنتش أتخيل أن اسمي يرتبط بعمل روائي بسبب إخلاصي لكتابتي الصحفية".
وفي 2023، قرر الباز أن يفرج عن سيرة الـ50 عاما الماضية التي عاشها بين القرية والمدينة وقد تكون سنواته الأولى أكثر هدوئًا من الثانية التي اشتبك فيها الباز مع كل شيء وأثار جدلا بموضوعاته الصحفية، لم يهدأ حتى وصل بها إلى قاعات المحكمة في دعوى مرفوعة من شيخ الأزهر نفسه.
تجد في سيرة الباز الكثير من التفاصيل، الترحال بين مقاهي القاهرة التي كتب على أحداها 65% من الدكتوراة أيام الجامعة، والمشاغبة في الصحافة، والجانب الذي يبدو هادئًا في حياته بالقاهرة التي أصبحت مقامه ولا يملك فيها شيئًا باسمه إلا كتبه وابنته، تفاصيل كثيرة ربما تغرق فيها ولا يكفيها موضوع واحد إن قررت أن تكتب عن سيرته.
يضع الباز في "كأنه أنا" خلاصة البحث في حياته، إذ وجد نفسه لا يزال هناك في سنواته التي عاشها في قريته قبل أن تصبح القاهرة مكانه ومقامه، عن الطفل الذي كان، وعن الفتى الذي ما زال يراوغه، وعن الشاب الذي يطارده في الطرقات.
قرر الباز أن يكون كتابه الأحدث هو الأعز رغم الفتى الذي يراوغه والشاب الذي يطارده بين أوراق هذا الكتاب حتى طيف الشيخ عبد الجواد أصبح أيضًا يطارده.
ومن “كأنه أنا” نقرأ ما نشره الباز عبر حسابه على فيسبوك، ويبدو أن أكثر النصوص المتعلق به من سيرته، يقول: “عندما أنهيت حفظ القرآن على يد الشيخ عبد الجواد تهربت من يوم الختمة، انقطعت عن الكتاب مرة واحدة، كنت أعتبر أن المهمة انتهت، فما الداعي إلى الطقوس التي لن تفيد”.
ويضيف: “هروبي من يوم الختمة كان خطأ ظللت أدفع ثمنه في أحلامي، في منامي يأتيني الشيخ عبد الجواد كثيرا، يطلب مني أن أقرأ عليه، فلا تسعفني ذاكرتي، أقول له: أنا مش حافظ خلاص، فيوبخني غاضبا: عشان هربت من الختمة، سبت باب المصحف مفتوح وراك، كان مفروض تقفله وأنت طالع”.
يتابع: “في كل مرة يأتيني في منامى أقرر أن أذهب لزيارة قبره، لكن تأخذني منه الأيام، فيعاودني في منامي مرة بعد مرة، وفي صحوي يطاردني طيفه بباب المصحف المفتوح”.
يقول: “في آخر مرة زارني في المنام طلبت منه أن يدلني على طريق الخلاص، فقال لي: الأبواب التي نتركها مفتوحة تظل تطاردنا حتى نموت، عش مع ألمك ولا تحاول الهروب من قدرك مرة أخرى”.