عمرو سلامة: وُصمت بسُمعة مخرج المهرجانات.. والرقابة أحيانا بتنفخ في الزبادي | حوار
درس التجارة، ولكن لم تربطه بها صلة وطيدة، حيث تعلق قلبه بكل ما له علاقة بالفن والخيال، حمل على عاتقه مسئولية إمتاع الجمهور من خلال عدسته ومنظوره الخاص، فمنذ بدايات المخرج عمرو سلامة لم يتبع قاموس الإخراج الذي يسير على نهجه أغلب المخرجين، أو بعبارة أخرى لم يسير على السطر الذي رُسم له، فقرر أن يخلق نهجه الخاص، يقدم أعمال تحمل طابع وخِصال عمرو سلامة فقط، فقدم عدد من الأفلام المتنوعة خلال مسيرته، وأخذ من الدراما نصيبًا أقل، وهذا بجانب حرصه الدائم على عدم بقائه داخل قوقعة المخرج، والخروج والدفاع عن مهنته، والتصدي لمنتقديها، لذلك أجرى القاهرة 24 حوارًا مع المخرج عمرو سلامة، تحدث خلاله عن العديد من الموضوعات المختلفة، وإلى نص الحوار:
إذا تحدثنا من النهاية للبداية فلابد من المباركة لك على فيلمك الأخير شماريخ.. ولكن ما تعليقك على تصريحك بأنه عمل لا يحمل رسالة محددة؟
ألفريد هيتشكوك من أهم مخرجين التاريخ، قال: لو عندك رسالة ابعتها بالبريد، إذا أنت غير مطالب بعمل فيلم كامل حتى تقول رسالة، وأنا كـ عمرو كنت مقتنعًا في البداية إن أي فيلم أقدمه لابد أن يغيّر الكون، ولكن اليوم أرى أن السينما أوسع من ذلك بكثير، والفيلم يمكن أن يكون هدفه الأول والأخير هو إمتاع الجمهور فقط، فشماريخ هو فيلم ممتع في المقام الأول، ويذكرني بنوعية سينما أحب مشاهدتها.
اعتدت القلق من عروض أفلامك الخاصة وتحديدًا في بداياتك.. هل تراكم الخبرات وكثرة الأعمال الفنية قلل من حجم هذا القلق شيئًا؟
لا خالص، قبل كل أول عرض لأي فيلم لي، يكون التوتر والترقب وصل لمستوى عالٍ جدًا، وأنزعج جدا عندما تظهر أي مشكلة على الصورة أو الصوت خلال العرض، لأني أكون بذلت مجهودًا كبيرًا في الفيلم، فبكون حريص أن يتم عرضه بأفضل شكل، فأنا دائم القلق من العروض الخاصة ولدي عقدة تجاهها، مهما زادت الخبرات لم يسعني الأمر أن أتقبل الأمر بسهولة ويسر، ومازلت أخرج من جميع عروض أفلامي الخاصة وأنا محبط مهما كانت النتيجة، بما فيهم عرض شماريخ، لأن في أول عرض له في مهرجان البحر الأحمر اكتشفت أن به مشاكل تقنية، فصرخت وجمعت فريق عمل الفيلم لمعالجة تلك الأخطاء.
سلكت طريقًا بعيدًا عن بوابات الفن ودرست في كلية التجارة.. هل ترى أن هذا الأمر عطّلك خطوة للخلف في مشوارك الفني؟
لا أستطيع القول بأن التحاقي بكلية التجارة عطلني عن الفن؛ لأني في النهاية بدأت أخرِج وأنا في سن صغير جدا، وكنت محظوظ إن أول عقد فيلم مضيته كنت أبلغ من العمر 22 سنة، والذي سهّل عليّ هذا الأمر، هو عدم اضطراري للحضور بالكلية، فأتذكر إنني لم أحضر سوى محاضرة واحدة خلال الأربع سنوات جامعة، وكنت أستغل فترة الجامعة في التجريب وتنفيذ عدد من الأفلام القصيرة، وأتعلم مهارات فنية مختلفة، فـ أنا مَدين لفترة دراستي بـ تجارة لأني تعلمت بها معظم مهاراتي الحالية، وانتهت سنوات الجامعة بتعاقدي على أول أفلامي الطويلة، فأستطيع القول أنني تعلمت سينما في فترة الجامعة، أكثر من لو كنت درست سينما بـ أمريكا، فالتعليم الذاتي هذا فرق في تكويني الفني، لأني أؤمن بمقولة: لو عايز تبقى مخرج اتعلم الإخراج في مدرسة مخصصة للإخراج.. ولو عايز تبقى مخرج مختلف متدرسش إخراج في مدرسة مخصصة.
جمعتك شلة فنية قديمة بالثلاثي شيكو وفهمي وهشام وغيرهم.. ما هي القصة وراء تلك العلاقة الاستثنائية؟
جمع بيني وبين شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي وكريم فهمي وشريف نجيب محمد حفظي، الجامعة والقهوة ونفس منطقة السكن، وبشكل أو آخر كنا جميعنا نحب السينما ونجرب سويًا تجارب فنية عديدة، كنا شلة كبيرة وتخاصمنا كثير وتصالحنا، دخلنا مشاريع فنية لم تكتمل، وذهبت بنا الحياة هنا وهناك، حتى دخل كل منا عالم الفن احترافيًا، وكل من كُتب له أن يكمل في مجال الفن سواء التمثيل أو الإخراج أو الكتابة، أصبح له شأنًا عاليًا في منطقته، وحتى الآن لدينا نية العمل مع بعضنا البعض ولكن تحول العقبات دون تنفيذ تلك المشاريع، ولكن قريبا أتعاون مع هشام ماجد في فيلم يحمل عنوان سوبر زيرو.
نعلم أنك حاولت سلك الكثير من الطرق لاختراق عالم الإخراج بأي شكل مثل إخراجك كليبات في البداية.. ما قصة مطاردتك لـ هاني عادل وفرقة كايروكي؟
بما إني عاشق لعدد من المخرجين المحددين في أمريكا، فبالتبعية عشقت قصصهم ورحلاتهم الفنية، الذين دخل أغلبهم مجال الإخراج والفن من تصوير الكليبات الغنائية في البداية، فشعرت في بدايتي أنني أريد سلك نفس الطريق، ولكن منعت نفسي من التطلع إلى الإخراج للنجوم الكبار في تلك المرحلة، فاتجهت لفرق الموسيقى المكونة من الشباب، وإقناعهم بإخراجي لهم فيديو كليب ببلاش، فكنت أطارد هاني عادل وفرقته الغنائية وسط البلد، وأنتظر خروجه من الحفلات ولكنه كان لا يهتم بما أعرضه عليه، حتى اقتنع وأخرجت لهم كليب أغنية أنتيكا، وكان ذلك بـ صفر ميزانية، وبدون أي مقابل مادي، ثم أخرجت كليب آخر لفرقة كايروكي.
وما رأيك في قوانين وتعاملات الرقابة الحالية؟
قانون الرقابة اتعمل في السبعينيات، ومهما كان فهو قانون مطاطي وواسع، ويمكن قبول أو رفض أي فيلم بنفس القوانين، والأمر ليس مقتصر على القانون فقط، بل هو معتمد على المزاج العام والرغبة العامة وإرادة القائمين على الرقابة والشعب المتفرج، وبالتأكيد عاشت مصر في فترة ما بعد عام 2013 في فترة قلق من مناقشة مواضيع محددة، وهذا كان له مبررات بسبب الوضع الصعب حينها، ولكن أتمنى أن تكون تعاملات الرقابة بها براح أكثر خلال الفترة الحالية، وهناك ما يسمى بالرقابة المجتمعية، التي تتحكم نوعًا ما في قرارات الرقابة، لأن القائمين عليها يخشون من غضب المجتمع بسبب عمل ما، وأنا أؤمن تمامًا بأن للمشاهد حق كره أي عمل، ومن حقه أن يشتمني ويشتم عملي، ولكن اعتراضي الوحيد على مطالبة الجمهور بمنع عرض أي عمل فني، وأراها ظاهرة مؤذية للغاية.
وماذا اختلف في المجتمع المصري حتى يتقبلوا نوعية معينة من الأعمال قديمًا ويرفضونها حاليًا؟
مصر كبلد اتخذت أشكال فكرية متعددة على مدار المائة سنة الماضية، مصر في الثلاثينيات غير مصر في الثمانينيات وهكذا، وبالتأكيد أن المجتمع منذ بداية السبعينيات وهو أصبح أكثر محافظة وتدينًا، وأنا لست ضد تدين أي مجتمع، ولا ضد موجة الحجاب التي طرأت على فترة أوائل الألفينيات، من حق الجميع ممارسة عقيدته بالشكل الذي يراه مناسب، ولكني ضد أن يأتي هذا التدين مع الحكر على أفكار الآخرين وإجبارهم على التعايش مثلهم، فبالتأكيد أصبح المجتمع أكثر انغلاقًا بسبب تمسكه بهذا النوع من التديُن.
وفي ظل تلك التعقيدات هل تعرضت شخصيًا لضغوط الرقابة الفنية على أعمالك؟
بالطبع، ففيلم لامؤاخذة ظل مرفوضًا من الرقابة لمدة 5 سنوات، وعدلته 7 مرات وكان بيترفض من قِبل الرقابة في كل مرة، وحصل عليه مشاكل كثيرة؛ لأنهم كانوا مقتنعين إن الفيلم إذا تم طرحه سيفجر فتنة طائفية في مصر، وحدثت عدة خلافات عليه وتيارات سياسية كثيرة، وفي النهاية قدمت الفيلم، وحينما تم عرضه لم يسبب أي مشاكل، بل لقي استحسان كبير جدا عند الجمهور المسلمين والمسيحيين، فهذا كان أكبر إثبات إن الرقابة أحيانًا بتنفخ في الزبادي؛ لاعتقادهم بأن العمل سيتسبب في كوارث مجتمعية، وحدث العكس تمامًا، وأصبح فيلم لامؤاخذة أكثر أعمالي التي تلقي ردود فعل إيجابية حتى الآن.
تعلقنا جميعًا بالفيلم وأحداثه ولكن يظل السؤال.. لماذا اسم لامؤاخذة؟
استوحيت اسم فيلم لامؤاخذة من واقعة حقيقية، كنت أتحدث مع صديق لي وخلال حديثه قال لي “الراجل ده حد كويس أوي بس هو لامؤاخذة مسيحي”، فلم أفهم ما معنى وضع تلك الكلمة قبل وصف مسيحي، فكلمة لا مؤاخذة في لغتنا العامية نضعها في الجملة قبل التلفظ بلفظ خارج أو كلمة غير مناسب قولها، فأخذت الاسم من هنا، أما عن قصة الفيلم بشكل عام، فهي مستوحاة من معاناتي من التنمر في المدرسة.
عند الحديث عن أفلامك يجب ذكر أسماء ومعاناة المتعايشين بفيرويس الإيدز.. فما هي القصة الحقيقية خلف تلك الأيقونة؟
فيلم أسماء بدأ بصدفة بحتة، عندما كنت أخرِج أفلام قصيرة، وطلبت مني إحدى الشركات أن أكتب فيلم طويل عن المتعايشين بفيروس الإيدز، وبالفعل أجريت بحث كامل عن هذا الفيروس ومصابيه، وحاولت لمدة شهرين أن أكتب العمل، ثم حاولت الاعتذار عنه لإيجادي أنه لن يهتم أي مُشاهد بمشاهدة فيلم عن مرضى الإيدز، ولكن انقلب الأمر رأسا على عقب، عندما ذهبت للإسكندرية وقابلت عدد من المتعايشين بالإيدز، وسمعت هناك القصة التي تسببت في بكائي بشدة طوال رحلة عودتي للقاهرة، وشعرت بمسئولية كبيرة تجاه تقديمي لتلك القصة التي رأيتها مؤثرة للغاية، حتى خرج فيلم أسماء للنور بعد كتابة أكثر من عشرين مسودة، وهو أقل أفلامي نجاحًا تجاريًا، ووصمني بسُمعة مخرج المهرجانات.
واضح للعيان من البداية أن فيلم صنع في مصر سيجذب الجمهور الأطفال بشكل أكبر.. فلماذا كان عدم نجاحه على نطاق واسع صادم بالنسبة لك؟
يمكن لكل عمل أن ينال إعجاب الجمهور أم لا، وكل فيلم هو تجربة فريدة ومختلفة، فقبل طرح فيلم صنع في مصر كنا كفريق عمله متوقعين أنه سيكون أكثر الأفلام إيرادًا في تاريخ السينما المصرية، ولكن للأسف لم يتحقق ذلك، بل وواجهنا عاصفة من غضب الجمهور بسبب هذا العمل، فبرغم من تناوله لتجربة بصرية مختلفة، لم يُعجب به العديد من الجمهور، وأحيانًا كان يوقفني الجمهور في الشارع، يعاتبوني ويسألوني: "لماذا قدمت هذا الفيلم؟" فكنت أرد: “أنا أسف”.. وفي النهاية صنع في مصر هو تجربة أنا لست فخور بها، لأن التجربة خذلتني وخذلت صناع الفيلم، ونتيجته كانت محبطة، وأحمد حلمي كان غاضب من عدم فخري بالفيلم وعدم وقوفي بجانبه.
مخرج شغوف ولديه رؤية فنية واضحة.. كيف وصل بك الحال للتفكير في الاعتزال؟
بعد عدم تحقيق تجربة صنع في مصر ما أتمناه، شعرت وكأن حياتي انهارت بشكل تام، وأصبت بحالة نفسية سيئة واهتزاز في رغباتي الفنية، وحول أي نوع من السينما أريد أن أعمل بها، وقررت حينها الاتجاه للعمل بأي مهنة أخرى، وبدأت في التكفير الفعلي في هذه الخطوة، فمثلا أنا أحب الكلاب، فلماذا لا أُدرّب الكلاب؟ وبدأت بالفعل في تعلّم سيكولوجية الكلاب، أو أن أتعلم حرفة صناعة الجزم وتنفيذ البراند الخاص بي، فهذه كانت مرحلة انتقالية مهمة حتى أن أعود للفن من جديد وبشغف متجدد، وأكثر شيء تعلمته من تجربة فيلم صنع في مصر، هو أن لا اُقيّم “عمرو” من خلال أعمالي، ولا أربط قيمتي الشخصية بقيمة عملي.