الله خلفنا لنحيا والشيطان يريد أن نعيش
الحمد لله مجري السحاب، هادي القلوب والألباب، مسبب الأسباب، رازق الإنسان والنبات والدواب، خالق الأكوان ورب كل زمان، نسأله باسمه الأعظم الذي إذا نودي به أجاب أن يذهب عنا الهموم والأحزان، وأن يرزقنا سعادة القلوب وعافية الأبدان.. إنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له قفوا أحد.
نعيش الآن أعظم أيام الله وقد اقترب الشهر الكريم من الانتهاء سريعا جدا ربما أكثر من ذي قبل، لدرجة أننا نشعر وكأنه زارنا بالأمس.
إنه شهر رمضان المبارك الذي فيه تزيد الرحمات من رب الأرض والسموات، وهو من أهم مواسم العبادة، وأجر الخير فيه عظيم ويختلف عن سائر أيام العام، وقد كان نبينا الكريم "محمد صلى الله عليه وسلم" يضاعف من عباداته في هذا الشهر المبارك، رغم أنه كان يقضي وقته كله عبادة ودعوة، وهو نبي الله ورسوله، وأول من سيدخل الجنة من عباده، ولكنه كان يعلمنا بشكل عملي وليس نظريا فقط.. فما جاء بأمر من الله إلا وكان أول من يلتزم به صلوات ربي وتسليمه عليه وآله وصحبه أجمعين "محمد ابن عبد الله" الأمي الذي علم المتعلمين، وثقف المثقفين، وجاء بالنور للعالمين، وأتم الله به رسالاته ونسأله سبحانه وتعالى أن يجمعنا به في جنته يوم الدين.
ولأن الكلمة كانت هي رسالة الله لخلقة.. فتزيد بركتها دائما عندما تكون في سبيله سبحانه وتعالى ولتحقيق الفائدة لعباده.
من أجل هذا أردت الحديث عن كلمتين نستخدمهما جميعا على أنهما يحملان نفس المعنى ويؤديان الغرض ذاته، وقد نستخدم إحداهما كبديلة للأخرى، رغم أن الفارق بينهما كبير جدا، بل نجد أن استخدام أسوأهما الأكثر انتشارا على لسان الناس.
وهنا لا أتحدث بحسب المعجم وما جاء في لسان العرب وإنما بالهدي القرآني البليغ، فهو المعجزة الدائمة والحجة الباقية، وكنز الأسرار الذي كلما أبحر فيه مجتهد فتح الله له بابا من أبوابه التي لا تحصى ولا تعد، وأنا هنا ناقل علم ولست بعالم أو أدعي ذلك، وإنما نتقرب إلى الله بما نكتب في هذه الأيام المباركة بهذا لعلنا نفوز بالأجر.
الكلمتان هما "العيش والحياة"
الحقيقة أننا جميعا نعيش ولكن قلائل منا من يمكن أن يقال أنه حي.
فهل هناك فارق بين شخص يعيش وآخر يحيا؟
نعم.. ولذلك فرق الله تعالى في كتابه العزيز بين المعنيين.
وعندما ذكر السوء ربطه بالعيش أما الطيب فقد ارتبط بالحياة.
قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ}.
هنا يكون المعرض العاصي البعيد عن منهج الله وطاعته فقط يعيش لكنه لا يحيا.. مهما أوهم نفسه أنه بخير أو صنع صورة براقة قد تخدع من حوله، ويظنون أنه من السعداء بينما يملأ الشقاء قلبه.
أما عندما ذكر الله الخير قال سبحانه {مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
وحتى في لهجتنا العامية المصرية سوف نجد أن نفس المعنى موجود، ونستخدمه بتلقائية عندما يسأل شخص أحدنا عن حاله، ولا يكون مرتاحا ويشعر بالكرب والغم ويريد التعبير عن ذلك بكلمة مختصرة فإنه يقول "عايش" وهنا تصل رسالته لمن يحدثه بأنه ليس بخير.
وأيضا في المقابل نجد من كان في حال سيئ ثم تبدل إلى الأحسن وخرج من محنة كانت تشعره بأنه في عداد الأموات يعبر عن ذلك ويقول "أنا احتييت من جديد".
هكذا ندرك بما لا يدع مجالا للشك، أن الله خلقنا لنحيا ويدعونا دائما لهذا، بينما الشيطان يجعلنا نعيش فقط دون حياة إذا استسلمنا لمكائده وحيله وما أكثرها.
وهنا يمكن أن ينظر كل منا إلى حاله فيدرك هل هو حي أم فقط يعيش.. ولا حياة إلا في طاعة الله ورضاه بالتزام تعاليمه وأوامره، وليس باتباع الهوى والعقل الذي يوسوس له الشيطان، ويزين أمامه المعصية فيتحول الإنسان إلى أحد هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم وارزقنا حياة طيبة تكون مدخلنا إلى جنتك يا رب العالمين.