صلاح السعدني.. مدرسة فنية أسسها «الولد الشقي»
على نفس هذه المساحة منذ حوالي سنة كتبت مقالًا بعنوان: لماذا أحببت «الولد الشقي» محمود السعدني؟ وكان ذلك بمناسبة الذكرى الثالثة عشر على وفاة الكاتب الكبير الراحل، لم أعلم حينها أن القدر سيجعلني أكتب هذه المرة عن وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني، الفرع الثاني النابه للعائلة السعدنية الضاربة بجذورها في مختلف الفنون.
بداية معرفتي بالعملاق الراحل عندما كنت طفلًا في السابعة من عمري وبالتحديد في شهر رمضان لعام 2003، حينها كان العرض الأول لمسلسل “الناس في كفر عسكر”، تلك الملحمة الدرامية التي جسد النجم صلاح السعدني خلالها دور «عبد القادر عوف كبير العوايفة»، مع الفنانة الرائعة الراحلة دلال عبد العزيز «فطّوم» تلك السيدة الآمرة الناهية والعقل المدبر لعائلة «شلبي».
وفي هذه السن الصغيرة وجدتني أتعلق بصلاح السعدني وكأنه جدي لأبي أو لأمي، بل تطور الأمر وأصبح لدي ولاء غير معلن وتضامن غير متفق عليه مع عائلة «عوف»، وفي نفس الوقت عداء كامن ورغبة في الانتقام من عائلة «شلبي» وعلى رأسهم كبيرتهم «فطّوم»، وخرجت من المسلسل ولدي نهم وشهية كبيرة لمتابعة أعمال أخرى تلفزيونية أو سينمائية للفنان صلاح السعدني، وبالفعل بدأت أشاهد بنهم ما يقع أمام عيني من مسلسلات لهذا النجم العملاق، منها: “الأصدقاء، رجل في زمن العولمة، للثروة حسابات أخرى” ومؤخرًا: “الباطنية، والقاصرات”.
أعمال صلاح السعدني السينمائية، تمثل عندي حالة خاصة منذ بداياته في أفلام: “الأرض، حكمتك يا رب”، وحتى صعوده وتألقه اللافت والمبهر في أعمال فارقة بالسينما المصرية مثل: “ملف في الآداب، انحراف، زمن حاتم زهران، فتوة الناس الغلابة، والمراكبي”، لصدقها ورسائلها الهادفة، وأيضا لتنوعها وثرائها وتعدد ألوانها وقوالبها.
وزاد تعلقي بهذا الفنان الجميل، حينما بدأت قراءة أعمال الكاتب الكبير محمود السعدني في المرحلة الجامعية، وإدمانها عقب التخرج، بل والبحث والتحري عن أي فيديوهات أو مادة صحفية تتناول تلك العائلة الموهوبة بالفطرة، وعرفت أن أحد أهم أفراد هذه العائلة القارئ الإذاعي الراحل الشيخ أحمد سليمان السعدني، وهو قارئ من طراز خاص ونادر.
وفي أحد الفيديوهات للأستاذ أكرم السعدني عرفت أن عمه صلاح كان متأثرا بشقيقه الأكبر محمود منذ الصغر، وكان يقرأ كل أعماله الأدبية والصحفية، والتي أثرت مبكرا في تكوينه الثقافي والمعرفي، وفي إحدى المرات كان الكاتب محمود السعدني يعرض مسرحية من تأليفه في قرية بالأرياف ومعه الأديب الكبير زكريا الحجاوي، وغاب البطل عن العرض ووضع “السعدني الكبير” و"الحجاوي" في مأزق، لم يخرجهما منه إلا طالب الثانوية العامة في وقتها “صلاح السعدني”، والذي فاجأ الجميع بأنه يحفظ دور البطل في المسرحية عن ظهر قلب، وبالفعل صعد خشبة المسرح بجرأة وثبات وأدى الدور ببراعة منقطعة النظير، وأنقذ الموقف وسط تصفيق حاد من الجمهور، ومن هنا كانت نقطة انطلاق الفنان صلاح السعدني في عالم التمثيل، واللبنة الأولى في بناء هذه المدرسة الفنية المتكاملة.