الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لا إبداع مع الخوف

الجمعة 26/أبريل/2024 - 01:05 ص

نقيم حوارات شبه دائمة في البيت في كل شيء، في السياسية والفن والرياضة ونحاول توضيح المفاهيم، وأحاول أن أشرح قدر استطاعتي لأوضح إجابات الأسئلة، وعادتي أن تكون الإجابة بحيادية، ولا أتبنى سوى ما تقبله قناعاتي الشخصية، وفي غالب الأحيان أقول ما لا أستطيع أن أقوله في العلن لأسباب كثيرة وخصوصًا في السياسة أو أمور شخصية بحتة، هنا كان السؤال الصعب، ما هو الخوف؟

في  التعريف العام هو شعور بالخطر من شيء يعرفه فقط الشخص الذى يشعر بالخوف، ويؤدي إلى تغيير في بعض الوظائف العضوية، فيكون الاختباء والرعب والفزع والتبلد وفقد الإحساس بالأمان وفعل أشياء على غير المألوف، ويختلف الشعور طبقًا لنوع التهديد، فهناك من يخاف من بعض الحيوانات، وهناك من يخاف انقطاع الرزق، ومن يخشى المستقبل أو أن يتعطل عن العمل، فتتعدد المسببات ومنها ما هو منطقي، ومنها ما هو غير منطقي لا مبرر له، ولست هنا فيلسوفًا إنما أنقل ما هو واقعي وأدركه.

كانت أمي تقول من خاف سِلم، فهل الأمر طبيعي أن يخاف الإنسان، ومع هذا الخوف يضطر إلى فعل أشياء ليست من طبيعته نتيجة للرهبة الشديدة والضغوط التى يقع تحت تأثيرها.

والطبيعي أن نخاف من الله ونفعل كل الأشياء والأفعال الطيبة، ونسعى إلى الخير من الفعل والقول، ونتجنب كل منكر وخبيث من الأشياء، حتى ننال رضا الله فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

ثم عاودوا السؤال كيف تخاف ولماذا تقول لنا ما لا تستطيع أن تقوله في العلن؟

كان النبى عليه الصلاة والسلام، معلمًا للبشرية لا يخشى في الحق لومة لائم، وهكذا يجب أن نهتدى بسيرته العطرة، بأن نقول الحق ولا نخاف من ضياع وظيفة أو فرصة، أو نظلم إنسانًا وخلافه لأننا سنحاسب على ما نقول وما تنطق به ألسنتنا، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا بسبب حصائد ألسنتهم، فلا غيبة ولا نميمة ولا كذب ولا قول زور، يجب أن تكون إنسانًا مثاليًا، لكن ما أخفيه لا يضر أحد، فقد قال ﷺ: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

كما يحكم التحفظ على القول هو رد الفعل المقابل وخصوصا إن كان النظام السياسي غير ديمقراطي لا يسمح بالرأي الآخر، وقد يكون خلاف فكري أيدلوجي بيني وبين شخص آخر قد ترهق مجادلته، ولن تقنعه ولن يقنعك طالما لا يوجد مساحات مشتركة بيننا، قد تكون وجه نظر أعلم مسبقا أن الطرف الآخر لا يقبلها وفي الإفصاح عنها تتولد المشاكل والمتاعب، وتعود تلك الأمور إلى طبيعة كل شخصية، فمثلا هناك دكتور لديك في الجامعة قد يقبل اختلاف وجه نظرك ويستمر في مناقشتك برُقي إلى أن تصلا إلى نقطة تلاقٍ، وآخر يزمجر عن أنيابه ويرفض حتى فكرة الاختلاف معه، وتكون في العمل عندما يكون المدير متسلطًا يخشى على منصبه ويستأثر بكل الخيوط، وطبعًا كل هذا من الخطأ فالحوار ضروري، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

فمثلا طالب كلية الطب قد يشعر بالرهبة في أول محاضرة عملية في التشريح ولكن التعود على الفعل يقتل هذا الخوف الكامن في داخله وتبدأ غرفة التشريح بالنسبة كأي مكتب يأكل أو يشرب وأمامه الجثة ولا يشعر بالخوف ولا بمنظر الدماء على عكس باقي البشر.

علينا أن نتعود على كسر هذا الخوف والصمت، في  ثورة يناير كنا نقول لقد كسرنا حاجز الخوف والصمت، وقلنا بصوت عالٍ كفى، وخرجنا بصدور عارية نواجه الرصاص غير عابئين بالمصير، وهناك من التزم قوقعته خوفا من القبض عليه أو ضياع وظيفته أو أي شيء يخشى منه أن يتحرك، وقد يكون لديه مسؤوليات أكبر من فكرة أن يقتل صمته كما قال لي البعض.

لكن عليكم أن تعلموا جيدا أن لا إبداع مع الخوف، ولا حرية مع الخوف، في بداية القرن العشرين وبعد ثورة 1919 كانوا يطلقون على تلك الحقبة بأنها زهوة الليبرالية والديمقراطية، حتى كانت حركة الضباط الأحرار التي دعمها الغالبية من المصريين لأنهم شاهدوا رئيس مصري من جلدتهم وليس من الإنجليز أو الأتراك أو المتمصريين لا يخشى بريطانيا العظمى ولا الغرب كله ويقوم بتأميم قناة السويس، لكن خطأه الوحيد أنه أشاع الخوف بين المصريين، وقصف الأقلام الجريئة ولم يترك إلا من يسير في ركابه، ومن اعتدى على الخوف وخالفه كان في المعتقل فغاب الإبداع، وعوضا أننا نسير في نهجه من أجل تقدم مصر ونهضتها، تقلد الوظائف من يخشون على مكاسبهم من الانتهازيين، فعملوا على إرضاء رؤسائهم ولم يكن هناك إبداع أو ابتكار، ولا يقومون بالشيء الصحيح وغاب من يقول لا للخطأ، ومن تمرد على هذا العرف امتلأت بهم المعتقلات كاليسار المثقف. 

وعندما جاء الرئيس السادات كان عليه أن يواجه زعماء الاتحاد الاشتراكي، فقد غيبت الأحزاب في عصر عبد الناصر، وكان التنظيم الوحيد للدولة هو الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي الذى كان سريًا وقتها، وفتح الطريق للجماعات الإسلامية لغرض في نفسه وهو القضاء على الناصريين، حتى استوحشت تلك الجماعات وغيرت من تركيبة المجتمع المصري في كل شيء دون استثناء وكانت سبب مقتله هو شخصيًا.

إنما لو سار عبد الناصر وفتح المجال السياسي لنهضت مصر في كل شيء وهو كان يلقى الدعم المطلق من المصريين، لكنه عاش أسير خوفه الذى أرهق المجتمع برغم وطنيته ونزاهته وإخلاصه لقضيته، لكن طريقة التناول للأمور هي ما كانت تحتاج أن يكون الجميع حوله، وهذا ما اكتشفه بعد نكسة 67 ولكنه راح بكل ثقله للتجهيز للمعركة واسترداد الأرض وترك الجبهة الداخلية للمتصارعين يعبثون كيفما شاءوا.

قد تكون تلك وجهات نظر لا يتفق معها البعض وقد يؤيدها البعض أيضا، لكن التنوع مطلوب، والانفتاح المنضبط على كل الثقافات والتيارات مطلوب، كما أن الإبداع والتقدم يحتاج إلى حرية وحوار بصوت مسموع دون خوف، وغياب الأولويات أحيانا تأتي من تبني وجهة نظر واحدة إنما لو وجدت كل وجهات النظر في القرار ستكون الأمور مختلفة.

علمونا أنه لا اقتصاد دون سياسة وتلك نقطة مهمة، عندما ننظر للدول المتقدمة وننظر لها بإعجاب وانبهار فماذا ينقصنا لنكون في موكبهم من التقدم، وعلى رأى المرحوم صلاح السعدني عندما قال لدينا هنا أشباه كل الأشياء في الدول الغربية، فمثلا لدينا فريق كرة قدم مثلهم وملعب ونفس الكرة والمشجعين لكن ما لدينا ليس كرة قدم مثل التي نشاهدها لديهم، فحقا صدق ماذا ينقصنا لنتقدم في الصناعة والرياضة وكل المجالات، فلدينا مثلا كل المقومات السياحية التي ليست لدى فرنسا أو إسبانيا أو حتى قبرص ورغم ذلك لم نستطيع أن نستغل تلك المقومات وهم أعلى منا بكثير في الجذب السياحي.

سنوات طويلة ونحن نقول التعليم هو قاطرة التنمية وجاء وزير ومكث سنوات ليطور في التعليم، ورحل وجاء سلفه ليبدأ من جديد تلك آفة الخوف الذى يجب  أن نقتله في دواخلنا لنعلن الآن موته ونتحرر لننطلق بجمهوريتنا الجديدة إلى ما نحلم به.

تابع مواقعنا