تحولت إلى مقبرة للأحياء.. القاهرة 24 يوثق حال السجون الإسرائيلية وقت طوفان الأقصى بشهادات الأسرى
«سوف نأتي إليكم إن شاء الله في طوفان هادر، سوف نأتي إليكم بصواريخ لا نهاية لها، سوف نأتي إليكم في طوفان لا نهاية له من الجنود، سوف نأتي إليكم بالملايين من أبناء شعبنا، مدًا بعد مد» بتلك الكلمات، خرج يحيى السنوار، رئيس حركة حماس، إلى الاحتلال الإسرائيلي، في خطاب له قبل نحو عامًا من عملية طوفان الأقصى، والتي يمر عليها اليوم عامًا كاملًا ووصفتها إسرائيل بـ المأساة الأكبر في تاريخها، لتكون بداية إبادة وحرب غاشمة على قطاع غزة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من أهالي القطاع، كرد مستمر من الكيان الصهيوني حتى كتابة هذه السطور في 365 يوما، وربما تزيد.
يحيى السنوار، العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى، تضعه إسرائيل على رأس مطلوبيها في غزة، حيا أو ميتا، الأسير الفلسطيني المحرر الذي قضى ما يقرب من ربع قرن من حياته داخل سجون الاحتلال، فكيف كان حال السجون الإسرائيلية التي خرج منها وقت عملية طوفان الأقصى ؟.
القاهرة 24، يوثق حال السجون الإسرائيلية وقت انطلاق عملية طوفان الأقصى بشهادات من الأسرى المحررين ضمن صفقات تبادلية مع الاحتلال الإسرائيلي، خلال الحرب الجارية.
«حط سيف قصاد سيف ونحن رجال محمد الضيف» هتافات دوت في أرجاء سجن الدامون الواقع في حيفا المحتلة لتشعل حماس الأسيرات الفلسطينيات المتجمعات في ساحة السجان المحتل، الهتافات تعلو في الأرجاء باسم الشعب الفلسطيني فقط لا غير، مصحوبة ببسمة استطاعت أخيرًا أن تشق طريقها وسط الدموع بوجوه غاب عنها الفرحة لشهور وربما لسنوات، حتى آتت المشاهد الأولى لعملية طوفان الأقصى.
وفي تمام السابعة من صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، فتحت أبواب السجن أمام الأسيرات للعد، في عادة يومية، وما إن انتهوا من عدهن، وفي تمام الساعة السابعة والربع، تسلل إليهن المشاهد الأولى من عملية طوفان الأقصى عبر شاشات التليفزيون، ليعلموا من خلالها بعملية خطف جنود إسرائيلية من قبل المقاومة وأسرهم داخل قطاع غزة، إذ تسرد الأسيرة المحررة أسيل الطيطي، في حديثها مع القاهرة 24، حول ما حدث آنذاك، واصفة إياها بـ «الذكرى الخالدة» التي ستظل ترويها من جيل إلى آخر، ففور علمهم بما جرى احتفلت الأسيرات بالانتصار بالهتافات والتكبير.
ولم يمر سوى بضع دقائق على نشوة الفرحة، حتى رصدت قوات الاحتلال احتفالات النصر من خلال كاميرات السجن، لتتحول ساحته إلى ساحة حرب صغيرة، إذ فوجئت أسيل ورفاقها بدخول قوات مدججة بالسلاح يرتدون الخوذات العسكرية على رؤوسهم ويلقون عليهن قنابل الغاز المسيل للدموع.
تقول الفتاة العشرينية، إن صباح يوم طوفان الأقصى لم يكن بالمعتاد، فعادة ما يدخل عليهن قوات الاحتلال صباحًا غير مدرعين زيادة ويكاد يكونوا حاملين عصي فقط، ولكن في السابع من أكتوبر 2023، دخلوا بطريقة همجية جدًا وعنيفة ومدرعين بكافة الأسلحة، من دبسة ودروع وعصي، وفق قولها، ثم اعتدوا عليهن بالضرب وإدخالهن عنوة إلى غرفهن، ومن ثم ألقوا عليهن الغاز في كل غرفة، وبعض الأسيرات جرى عزلهن إنفراديًا كما عُزل كل مسؤول قسم عن قسمه.
وكانت شمس طوفان الأقصى آخر شمس شرقت على الأسيرات حتى أفرج عنهن ضمن صفقة تبادلية خلال الحرب الجارية في نوفمبر الماضي، عقب أسرها منذ أكتوبر 2022، على خلفية اتهامها بطعن جندي إسرائيلي، فكانوا في حالة عزل كلي عن العالم عقب طوفان الأقصى ولا يعرفون أي شيء عن بداية الحرب ولا عن وضع قطاع غزة، مردفة: بعد طوفان الأقصى تشددت العقوبات علينا، إذ إننا كنا لا نخرج من الغرف حتى، وجرى مصادرة جميع الأجهزة الكهربائية وحولت الغرف إلى غرف عزل.. حتى الفرش والأواني تم مصادرتها، وما كنا نشوف الشمس».
صمودنا كفلسطينيين أقوى من أي احتلال
وبسؤالها عن ما كان يدور بينهن من أحاديث، تقول الفتاة إن قوات الاحتلال استخدموا حيلة الوهم لإيهامهن بأنهن منسيون مع تلقيهن تهديدات دائمة بالقتل، موضحة: قوات الاحتلال قالوا لنا انتوا هنا بعاد عن أهلكم وما حدش سأل فيكم، وإحنا لو ضربناكم بالنار كلكم محدش هيسأل عنكم أو يعرف.. كانوا يحاولون وضعنا بدائرة وهمية دايما أننا منسيون ومارسوا سياسة الضغط على الأسرى لدرجة أنهم خالطوا بين السجون الأمنية مع المدنية، مفيش أسير بيقدر يتحمل ظلمات السجون وقطبان السجون وعتماته، بس صمودنا كفلسطينيين أقوى من أي احتلال.
لم يكن الحال نفسه داخل سجن مجدو في حيفا شمال الأراضي المحتلة، بل أشد قسوة وصعوبة، إذ لم يجد الأسرى الفلسطينيين مجالًا للفرح والاحتفال بعملية طوفان الأقصى، ففي الساعات الأولى من صباح السابع من أكتوبر 2023، زفت موجات الراديو وشاشات التليفزيون داخل الغرف خبر أسر مستوطنين إسرائيليين من قبل المقاومة الفلسطينية، وسرعان ما بدأت قوات الاحتلال في التنكيل بالأطفال الأسرى وتعذيبهم، وفقًا لشهادة الطفل الأسير المحرر نصرالله أعور، صاحب الـ 17 عاما.
«سمعنا وشاهدنا مقاطع من العملية وبعدها على الفور جرى قمعنا بالاعتداء علينا وسحب جميع الأجهزة من لدينا.. لم نلحق نحتفل وجرى عقابنا وضربنا كي لا يكون هناك مجال للفرح بمجرد مشاهدتنا للأخبار.. كنا نخضع لعقاب جماعي، هجوم مسعور ضدنا جميعا ولم يهمهم لا صغير ولا كبير ولا حتى ضرير أو جريح ومريض.. قوات القمع والكلاب أمثالهم كانت تهجم علينا وتنهش بنا وعذبونا وسحبوا كل شيء ولم يتبقى لدينا لا غطاء ولا فرش ولا مياه ولا حتى أبسط مقومات الحياة»، هكذا يقول نصر الله، المعتقل داخل السجون الإسرائيلية منذ يوليو 2022 وحتى خروجه ضمن عملية تبادل الأسرى.
ويصف الطفل، الذي اعتقله الاحتلال مرة أخرى مطلع أبريل الماضي عقب تحريره ضمن صفقة تبادلية، حال قوات الاحتلال آنذاك، وكأنهم حيوانات في هيئة بشر لم يتركوا وسيلة للتنكيل بالأطفال الأسرى إلا وفعلوها، فقد عزلوا الزنازين عن بعضها البعض، و4 وحدات قمع كانت تتبادل مهمة التنكيل بهم من ضرب بالعصي واستعمال للغاز والحرمان من الطعام والشراب، حتى كانوا يسبون الذات الإلهية في محاولة لإخراج الأسرى عن شعورهم.
وعن حال الأسرى بالسجن حينها، يقول ابن مدينة القدس: كنا متحدين أقوياء أشداء برغم كل الألم ورغم كل الجراح كنا نشعر بالنصر عليهم وعرفنا أن كل ما فعلوه ما هو إلا دليل قاطع على انهزامهم أمام إرادتنا وقوة صبرنا وتحملنا الحمد لله.. لم يتبقى أي وسيلة إلا وفعلوها للنيل من عزيمتنا لكن هيهات منا الذلة، صبرنا ودمنا الذي سال لخير دليل على ضعفهم.. كادوا أن يقتلونا من غلهم وقهرهم، وكنا نتعمد الضحك ونبتسم في وجوههم لإذلالهم وبالفعل بالبسمة انتصرنا عليهم كان يجن جنونهم ومن قوة صبرنا وتحملنا.
والجنون الإسرائيلي داخل سجن مجدو كان يبلغ مداه، فتحول عقب طوفان الأقصى إلى مقبرة للأحياء، حسب وصف نصرالله، لما عايشه هناك، فحتى مياه الاستحمام حُرموا منها حتى أنه لم يستحم لمدة شهر كامل، وكذلك الملابس ولم يبقوا شيء يذكر، وظل الأسلوب الوحشي متبع مع الطفل نصرالله ورفاقه من 85 طفلًا أسيرًا داخل سجن مجدو حتى لحظة الإفراج عنهم من شدة قهرهم.
إطفاء الدخان بأجساد الأسيرات
على مدار ساعة كاملة، احتفت الأسيرات بقسم السيدات من داخل سجن الدامون، بدخول المقاومة الفلسطينية إلى أراضيها المحتلة وأسرهم جنود من قوات الاحتلال، إذ استيقظت الأسيرات حينها على الأنباء العاجلة التي جرى بثها عبر شاشات التليفزيون، وما شعرن بأنفسهن إلا وهن داخل ساحة السجن يكبرون ويحتفلون ويسجدون سجدة النصر، ومن بينهن الأسيرة حنان البرغوثي، والتي كشفت حال سجون الاحتلال وقت طوفان الأقصى، في حديثها مع القاهرة 24، عقب خروجها في صفقة تبادلية، قبل أن تعتقل إداريًا مرة أخرى هي وزوجها.
وتقول السيدة الستينية، إن بعد لحظات من احتفالهن داهمهم حراس السجون الإسرائيلية والسجانات بالساحة مدرعين بكامل عتادهم ومسلحين بقنابل الغاز والعصي، وانهالوا عليهن بالضرب وأدخلوهن بالقوة إلى الغرف ورشوهن بالغاز، كما عزلوا ممثلة الأسيرات مرح بكير في عزل انفرادي حتى أفرج عنها بالصفقة.
الضرب والتنكيل والاعتداء الوحشي كان من نصيب الأسيرات حينها، كما سحبوا شاشات التليفزيون والراديو، إذ تقول شقيقة الأسير نائل البرغوثي، صاحب أطول مدة سجن سياسي في العالم: تعاملوا معنا بقسوة وسادية وظلم رغم إننا عزل لا نملك شئيًا وهم السجانون، صادروا الملابس والأغطية، الأسيرة الجديدة التي كانت تأتي كانت تفتش تفتيش جارح وعاري، ويوجهون لهن ألفاظ سيئة تمس الشرف والدين، تعرضن للضرب المبرح كما كانوا يطفئون الدخان بأجساد الأسيرات.
وسحبت قوات الاحتلال بسجن الدامون، الطعام والملابس وقطعوا الكهرباء وكذلك المياه، في معاملة سادية للأسيرات لا خطوط حمراء فيها مع النساء، وأصبحت السيدات تعلم بأخبار بلادهن من قبل الأسيرات الجدد اللاتي أسروا على خلفية طوفان الأقصى، أو من خلال راديو مسرب.
وحول أثر العملية على الأسيرات داخل السجون، تقول شقيقة البرغوثي: الخبر كان مفاجئ للأسرى ككل، كانت فرحة عارمة؛ لأننا متعودين أنهم يضربونا ويقتلونا ونكون في حالة دفاع فقط لكن الحمد لله أصبحت المقاومة تغزو ولا تُغزى تضرب وتبادر، والنصر دائما يكون لمن ضرب الضربة الأولى وصاحب الحق، ونحن أصحاب الحق والأرض.
وبلغ عدد الشهداء في أوساط الأسرى داخل السجون والمعتقلات بعد اندلاع طوفان الأقصى هو الأعلى تاريخيًا منذ عام 1967، وفقًا لما صرح به رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري، في كلمته خلال مؤتمر صحفي أمس، موضحًا أنه لا يوجد حتى الآن رقم واضح عن عدد المعتقلين من قطاع غزة، سوى ما أعلنت عنه إدارة السجون الإسرائيلية في بداية أكتوبر الجاري وبلغ 1618 معتقلا صنفت إياهم بالمقاتلين غير الشرعيين، إلا أنه وبحسب متابعتنا وتقديراتنا اعتقل الآلاف من قطاع غزة.
وأوضح نادي الأسير الفلسطيني، في تقرير له لرصد وضع الأسرى عقب عامًا من الحرب، أن حصيلة حملات الاعتقال التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، بلغت أكثر من 11 ألفا و100 حالة اعتقال في الضفة الغربية والقدس، فيما بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء أكثر من 420، بما يشمل اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948 وعددا من الأسيرات من قطاع غزة.
وما لا يقل عن 740 طفلًا جرى اعتقاله في الضفة والقدس، ويضاف إلى ذلك اعتقال 108 من العاملين في حقل الصحافة، تبقى منهم رهن الاعتقال 58 من بينهم 6 صحفيات، فيما بلغت عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من 9000، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد.
وبلغ إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال حتى بداية الشهر الجاري، أكثر من عشرة آلاف و100، بينهم 95 أسيرة و270 طفلًا، فيما وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى 3398، فيما يبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة بـ«المقاتلين غير الشرعيين» الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال 1618، علما أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.