الشرطة المصرية والمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على السويس
تُعد معركة السويس في 24 أكتوبر 1973 أحد أبرز المحطات البطولية في تاريخ مصر الحديث، حيث جسدت صمود الشعب المصري وروح المقاومة في مواجهة عدوان إسرائيلي قوي.
الشرطة المصرية أثبتت شجاعة وإخلاص في الدفاع عن السويس
كانت الشرطة المصرية، نموذج يحتذى به خلال تلك المعركة، وأثبتت شجاعة وإخلاصًا في الدفاع عن مدينة السويس، التي تعرضت لحصار عنيف ومحاولة اختراق من قبل قوات العدو.
لعبت قوات الشرطة دورًا حيويًا ومحوريًا في تأمين المدينة، والاشتباك المباشر مع الجيش الإسرائيلي.
مع بدء الغارات الإسرائيلية على المدينة في الساعات الأولى من يوم 24 أكتوبر، واصلت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية قصف الأحياء السكنية والمنشآت المدنية في محاولة لإخضاع المدينة.
كان العدو يهدف إلى احتلال السويس وفرض السيطرة على كافة محاورها، لكن أبناء المدينة، من قواته المسلحة ورجال الشرطة والمواطنين، وقفوا صفًا واحدًا في مواجهة هذه الاعتداءات.
فتح مخازن السلاح وتوزيعه علي المواطنين
فتح رجال الشرطة في السويس مخازن الأسلحة والذخائر، وزعوا السلاح على كل قادر على حمله من المواطنين، وبدأوا في تنظيم خطط الدفاع والتصدي للدبابات الإسرائيلية المتقدمة. ورغم نجاح بعض الوحدات الإسرائيلية في اختراق الشوارع ودخول السويس، فإن المقاومة التي شاركت فيها الشرطة كانت عنيفة، ودفعت العدو إلى التراجع بعد اشتباكات شرسة.
أوقعت الشرطة، بالتعاون مع القوات الشعبية والعسكرية، أضرارًا جسيمة بالقوات الإسرائيلية، حيث تم تدمير الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية وأوقعوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
في شهادة اللواء محيي الدين خفاجة، مدير أمن السويس في أكتوبر 1973، التي توثّق دور الشرطة خلال هذه الأحداث، يتضح أن رجال الشرطة كانوا في قلب المعركة، لم يتراجعوا أو ينسحبوا رغم النيران الكثيفة.
قاد الضباط العمليات بحنكة وشجاعة. ومن أبرز الأبطال الذين استشهدوا في هذه المعركة الرائد نبيل شرف والنقيب محمد عاصم أحمد حمودة، الذين واجهوا العدو ببسالة حتى استشهدوا أثناء التصدي للهجوم الإسرائيلي على قسم شرطة الأربعين.
استشهد الرائد نبيل شرف بعد إصابته برصاصة في رأسه، خلال قيادته قوة من الشرطة لمواجهة العدو الذي حاول الاستيلاء على قسم الأربعين، لكنه تمكن من إجبار العدو على الانسحاب كما استشهد النقيب محمد عاصم أحمد حمودة أثناء محاولته اقتحام مبنى القسم لتحرير الجنود المحاصرين.
هؤلاء الأبطال، إلى جانب الجنود والعرفاء ورجال المقاومة الشعبية الذين قدموا أرواحهم فداءً للمدينة، كانوا رمزًا للفداء والشجاعة.
ورغم شراسة القتال ومحاولات العدو المتكررة لاختراق المدينة، إلا أن الشرطة المصرية بقيت صامدة ولم تتراجع.
لقد مثلت قوات الشرطة، مع غيرها من القوات المسلحة وأفراد المقاومة الشعبية، جدارًا صلبًا أمام المعتدين، واستطاعت أن تدحرهم وتمنعهم من تحقيق أهدافهم.
شاركت الشرطة في تقديم شهداء عظام خلال هذه المعركة، وكانت القوات الباقية في المدينة مثالًا للصمود والقدرة على مواجهة أقوى الجيوش.
التقرير الرسمي لمدير أمن السويس عن المعركة
عقب انتهاء حرب أكتوبر وثق اللواء محي الدين خفاجة مدير أمن السويس تقريره الرسمي وكتب فيه:
"مع تباشير ساعات الصباح الأولى في يوم 24-10-1973 أغارت طائرات العدو على مدينة السويس مستهدفة المنشآت المدنية ممهدة لهجوم غادر بالدبابات بقصد احتلال السويس الباسلة، وقد أسفرت هذه الإغارة عن تهدم أحياء واستشهاد العديد من أبناء السويس الأبطال ثم أعقب غارات الطيران قصف بالمدفعية من الدبابات التي أحكمت الالتفاف حول المدينة من جهة الشمال والغرب والجنوب، والتي تشكلت في ثلاثة محاور، أحدها محور طريق الإسماعيلية - السويس شمالًا، والثاني محور طريق القاهرة - السويس غربًا، والثالث طريق الأدبية - السويس جنوبًا.
وفي الساعة الثانية عشرة ظهرًا، قام العدو بدفع ثلاثين دبابة ومجنزرة من عدة محاور، وتمكنت بعض هذه الدبابات والمجنزرات من دخول مدينة السويس واختراق شارع الجيش وأخذت تطلق نيران رشاشاتها بصورة كثيفة عشوائية وفي جميع الاتجاهات.
ولقد سجل التاريخ لمدينة السويس وقفتها وصمودها ولقن العدو درسًا لن ينساه. فقد كان في انتظاره أرواح تأبى الاستسلام وأبطال لا يقبلون الهزيمة، وذابت فئات الشعب في شخص واحد: رجال الشرطة والمواطنون وأفراد الدفاع المدني والمقاومة الشعبية جنبًا إلى جنب مع القوات العسكرية التي تواجدت بالمدينة.
وكان المحافظ وأنا معه في وسط هذه المجموعات جميعها يوجهها ويقودها ويشجعها كما كان دائم المرور على جميع قطاعات المدينة ينظم الدفاع عنها ويضع الخطط الكفيلة بدفع أي اعتداء.