“وغُلقت الأبواب”.. يوم شاق قضاه هيثم أحمد زكي لن يبقى بعده وحيدًا
أيًا كان السبب في وفاته فاليوم قرر القدر أن يمنح هيثم أحمد زكي تأشيرة خروج للعالم الثاني ليلتقي بمُحبيه، خمسة أشخاص عانى هيثم في غيابهم يلتقيهم الليلة الأب والأم والجد والجدة والخال، خمسة أشخاص أثروا في حياته رحلوا وتركوه وحيدًا.
استعجل هيثم أحمد زكي الرحيل في غير أوانه عن عُمر 35 عام، في نفس العُمر الذي انتهى فيه أجل والدته الفنانة هالة فؤاد، ودون سابق إنذار قرر هيثم أن يفجع الجميع بخبر وفاته، وذلك بعدما التقى بـ”العفريت” الذي ظل طوال حياته يخافه، إلا وهو “الوحدة”، هذا الابتلاء الذي قال أنه ورثه عن والده.
تقول الفنانة ناهد السباعي أن هيثم دائمًا ما كان يقول: “أنا حاسس إني هموت لوحدي في البيت وحاسس إني هموت صغير”، وبالفعل حدث ولم يُخالف الموت توقعاته، “بالمسطرة” كما شعر بها، مات هيثم ابن الإمبراطور وحيدًا في منزله بمنطقة الشيخ زايد.
ورُبما مكث هيثم يومًا كاملًا دون أن يشعر به أحدًا، حتى قررت خطيبته وبعد محاولات استمرت لساعات أن تُبلغ قوات الشرطة التي اقتحمت المنزل فوجدته جثة هامدة فارقتها الروح، وبعد معاينة النيابة أمرت بنقل الجثمان للمستشفى للوقوف على تفاصيل وأسباب الوفاة، وأكدت أنها لم تكن بفعل فاعل وإنما وفاة طبيعية نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية.
فور إعلان الخبر توجه عدد كبير من أصدقاء النجم الشاب، وعدد من أعضاء نقابة المهن التمثيلية على رأسهم النقيب أشرف زكي، للانتهاء من الإجراءات، وكان من بين الحضور أحمد السعدني وعمرو يوسف، وإيهاب فهمي وعزوز عادل وناهد السباعي.
أمرت بعدها النيابة تشريح الجثمان ونقله إلى مشرحة زينهم للوقوف على السبب الرئيسي الذي تسبب في الوفاة، بينما بدأت على جانب آخر توقعات خائبة غرضها النيل من سُمعة أي شخص، لكن كان تصريحات أشرف زكي واضحة بأن سبب الوفاة طبيعي، لكن دائمًا ما يبحث الناس عن أسباب لخوفهم من تصديق وجود ما يُسمى بموت الفجأة.
لكن المشهد الأكثر مأساة في القصة، حينما رفضت مشرحة زينهم بعد الانتهاء من تشريح الجثة تسلميها لرفقائه، وطلبت أن يتسلمها شخص من عائلته، لكن لم يحضر أحد، فحسبما أكد زكي: “مفيش حد من أهله يستلمه”، لكن انتهى الأمر بعد تدخل المُحامي العام وأمر بأن يتسلم أشرف زكي باعتباره نقيبًا عن الممثلين جثة النجم الراحل.
تِلك “الدوامة” كلفت جثمان هيثم ساعات قليلة عن موعد لقائه بحبيبه ومُعلمه في الحياة الدنيا، وتم تأجيل صلاة الجنازة التي أقيمت بمسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين نفس المسجد الذي شيع منه جثمان والده، عِند باب المسجد وقفت إنجي سلامة مُنهارة من البكاء تِلك الفتاة التي قرر هيثم أن يمكث معها تحت سقف واحد بعد تأخره عن الزواج حتى سن الخامسة والثلاثين.
لم يتحمل “النعش” الإنتظار هذا “النعش” الذي يُقال في المأثور الشعبي أنه يُساق من قِبل الروح، وصلوا الجنازة قبل أذان العصر، ثم توجه الجميع حاملين “الأمانة” إلى مرقدها الأخير في مقابر طريق الفيوم، تِلك المقابر التي تُشبه هيثم، فهي ليست كمقابر القاهرة يشعر سكانها بونس المدينة.
وهناك عِند باب مقبرة مدون عليها بالأعلى “مدفن أسرة الفنان أحمد ذكي”، وقفت “الخشبة” وكأنها تتبخر فرحًا بالوصول، بداخل هذا المكان يرقد واحدًا من أهم صناع الفن في الوطن العربي، وهنا ايضًا يرقد جثمان أب رحل مُبكرًا ليشعر ابنه الوحيد بـ”اليُتم” الحقيقي الذي حاول أن يتداركه برحيل والدته.
هنا كُتمت الأنفاس وسيطر السكوت، وفي الأسفل كان يحل أحدهم العُقدة من أعلى الرأس ويكشف الغطاء عن الوجه الأسمراني، ووضعوه على جانبه الأيمن، وتركوه، ومع صوت الخطوات الأخيرة قبل أن يقوم عامل المدافن بإرجاع كل شئ كما كان شكر هيثم المُحيطين على هذه “التوصيلة” فبعد اليوم لن يُصبح وحيدًا مرة أخرى، و”غُلقت الأبواب” كما غُلقت على عائلة أحمد زكي التي ستبقى من اليوم في الذاكرة.