طبيب يكشف لـ”القاهرة 24″ بطولات المصريين بالحجر الصحي بمستشفى إسنا في الأقصر (صور)
في الجمعة 11 مارس وعندما أشارت عقارب الساعة للواحدة بعد منتصف الليل، كان الأطباء المصريون على موعد مع بدء ملحمة جديدة يسطرونها في مستشفي إسنا بالأقصر، وهي مستشفى الحجر الوحيد بصعيد مصر.. معارك يقوم بها أبطال مجهولون في ظل غير المبالين للخطر المجهول القادم الذي ينتظرهم والذي أجبر العالم بأكمله على المكوث ببيوتهم هربًا منه، وكان كل شغلهم الشاغل هو أداء مهمتهم الإنسانية على أكمل وجه.
يسرد الدكتور حسام أحمد لـ”القاهرة 24″ تفاصيل صغيرة بالمقارنة مع ما يحدث على أرض الواقع، عما يجرى بمستشفى إسنا، منذ الدقائق الأولى لتحولها لمستشفى حجر صحي، والتي شهدت هروب للبعض وبطولة لآخرين.
“كلنا أختارنا إننا نقف ونأدي دورنا ومافكرناش في العواقب” يستهل الدكتور صاحب الـ27 عامًا ويوصف الأجواء المسيطرة على الفريق الطبي للمستشفى بعد إبلاغهم بقرب وصول أول حالة مصابة بفيروس كورونا إلى المشفى، وشبههم بجنود الجيش القابعين على الحدود مدركين بقرب الموت منهم في أي لحظة.
ويكمل: “الخطر هو طبيعة مهنتنا، أيدي بتختلط بدم مصاب بفيروس سي وإيدز، لو كلنا قعدنا في بيوتنا ايه اللي هيحصل؟!.. الفيروس هينتشر وهيجيلي لبيتي، على الأقل أنا دلوقتي ضميري مرتاح وقومت بواجبي”.
ومثلما أختار الدكتور الشاب ورفاقه المواجهة، هرب الكثير من عمال مطعم المستشفى فور علمهم بوصول أول حالة ولم يتبق سوى “شيف” وعامل واحد، مما أحدث أزمة كبرى على حد وصفه، ويقول: “واجهنا أزمة في المواد الغذائية وإعداد الطعام، الشيف والعامل لم يستطيعوا خدمة 100 فرد من الهيئة الطبية بخلاف الحالات”.
وفي بطولة أخرى تحدث أسفل جدران مستشفى العزل بإسنا، يسطرها سيدات طاقم التمريض، كان الحل لديهم حيث ارتدت كل منهن الزي الخاص بالمطعم وعزموا على إعداد الطعام للمستشفى كلها.
يصف الدكتور الشاب دور سيدات التمريض بـ “الأسطوري” ويردف: “قايمين بأعمال بطولية، فأغلبهم سيدات وأمهات لأطفال في عمر السنة والأخرى، وحضروا من اليوم الأول وعارفين من أول لحظة إنهم هيفضلوا هنا أكثر من14 يوم متواصلة ومش هيقدروا يشوفوهم، وهم أكثر فئة يحتكون إحتكاك مباشر بمصاب كورونا ويتابعونه لحظة بلحظة”.
وفي ظل وجود الميديا اللي تصدر الرعب وخوف شديد من المرض، على حد قوله، أختار الدكتور حسام أن يخفي خبر وجوده في مستشفى حجر صحي عن والديه خشية إصابتهم بالقلق والخوف، وبصفته نائب عظام منتدب من القاهرة إلى الأقصر، فطبيعة عمله تحتم عليه التواجد بالمستشفى لفترات طويلة ومتواصلة.
وعن أصعب اللحظات التي تمر عليهم يردف:” أصعبها بالنسبة لنا هي التعامل مع مرض مجهول فكرتنا عنه علمية فقط.. أول مرة نشوف حالات على ارض الواقع ونفهم طبيعة المرض أكثر”، ويضيف:” بنمر على الحالات مالا يقل عن 10 مرات يوميًا، وأوقات بنقعد باليوم ونص من غير نوم، ولو سمحت لنا الفرصة ممكن ننام ساعتين ثلاثة على الأكثر”.
ويكمل: “بنتعامل مع الحالات كمثل حالات العناية المركزة، الفرق بينهما فقط في أدوات الوقاية المستخدمة من أطقم وقاية والماسكات والتعقيم الدائم، كما أن طريقة المعاملة نفسها من حذر في التعامل، وأعلى درجات في مكافحة العدوى بيتم استخدامها عند الاحتكاك بمريض كورونا”.
وعن التغلب على العدوى داخل المسشفى يقول: “معانا فريق كامل من مركز مكافحة العدوى، من استشاري وآخر اختصاصي مكافحة عدوى، الذين يشرفوا على مكافحة العدوى داخل المستشفى، كما أننا حصلنا على دورات تدريبية لكل من الأطباء والتمريض قبل استلامنا للحالات، عن كيفية الاستقبال والتعامل وأيضًا الوقاية من الإصابة.. نوعا ما في قصور جزئي في التدريب، ولكن يتدارك بوجود المشرفين من الأمانة”.
وبسبب وجود حالات من الجنسيات الأمريكية والإيطالية والألمانية داخل المستشفى، يصعب التواصل معها بسبب عائق اللغة، قام الدكتور حسام ورفيقه الدكتور محمد محمود، نائب جراحة التجميل، بإعداد قاموسي إيطالي بالمفردات التي يحتجونها في التواصل، ولكن هذة الحيلة لم تجد نفعًا مع اللغة الألمانية، فاضطر الدكتور حسام كتابة منشور على صفحتة الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يطلب فيه المساعدة والاستعانه باثنين من المترجمين فقط.
لينال المنشور حظًا وفيرًا من الانتشار وبين يوم وليلة من كتابته، يتلقى عروض من أكثر من 100 مترجم، ويختتم حديثة ويقول: “رد الفعل لم أكن أتوقعها، وتلقيت مكالمة من مكتب الوزيرة، ومساهمة المجتمع المدني كانت قوية جدا.. وصلتنا مجموعة هائلة من التبرعات، من مواد عينية وزجاجات مياه وعصائر وبعض الاحتياجات الشخصية للفريق الطبي، كانت فوق ما نتخيلها”.
