مواقف من حياة توفيق أندراوس.. الصعيدي الذي قبّله سعد زغلول لوطنيته
تزخر محافظة الأقصر بالعديد من الشخصيات التي أثرت في تاريخها بل وتاريخ الدولة المصرية، وتركت أثرًا وحكايات يتداولها الأهالي عن ظهر قلب، إحدى هذه الشخصيات توفيق باشا أندراوس، الذي يتناوله أهل الأقصر بالعديد من الحكايات، والذي يمتلك قصرًا بجوار معبد الأقصر، يعرف بقصر أندراوس يقف شامخًا منذ إنشائه 1897 وحتى يومنا هذا، ويحمل بداخله الكثير من الأسرار.
ولد توفيق أندراوس عام 1893 بمدينة قوص وحصل على الابتدائية من مدرسة الأقصر الابتدائية، ثم رحل إلى القاهرة لالتحاقه بالمدرسة التوفيقية الثانوية وبعدها التحق بجامعة أكسفورد بإنجلترا ثم عاد لمصر وعين نائبًا لثلاث دورات متتالية بمجلس الأمة.
يروي الدكتور عبد الجواد عبد الفتاح، المدير الأسبق لآثار الأقصر الإسلامية والقبطية، في تصريحات خاصة لـ " القاهرة 24"، أن هناك مواقف لأندراوس شاهدة على وطنيته، ويتناوبها أهالي الأقصر من جيل لآخر، في كتابه الأقصر في مائة عام فيقول: "في عام 1921 تحدى توفيق أندراوس، بدر الدين بك، مدير الأمن العام، حين صادرت الحكومة وسلطاتها حرية سعد زغلول في رحلته النيلية ومنعت الحكومة الباخرة نوبيا التي كان يستقلها زغلول من أن ترسو على أى شاطيء من شواطيء المحافظات، بحجة الحفاظ على الأمن العام، حتى حاول المواطنين في جرجا وأسيوط رسو السفينة لكنهم فشلوا في ذلك، إلا أن توفيق باشا أندراوس لجأ لحيلة تمكن من خلالها إرساء السفينة أمام قصره بكورنيش النيل بالأقصر.
ويضيف احتشدت الجماهير آنذاك لتشهد زعيم الأمة بعد أن استغل توفيق باشا كونه قنصلًا لعدة دول أجنبية فرفع أعلام تلك الدول وهو ماأعطاه حصانة قانونية فكانت الأقصر المدينة الوحيدة التي استطاعت استقبال سعد زغلول.
أحد المواقف الجريئة لأندراوس ايضا كما يشير عبد الفتاح، كان حين عارض توفيق باشا الحكومة وبلدية الأقصر بتحويل مدافن المسلمين إلى الجبل وأصر أن تظل بمكانها بالسيد يوسف، مبررا ذلك بأن أبناء الأقصر يحتاجون لسيارات لنقل موتاهم مما يكلفهم فوق طاقتهم.
وعن بداية مشوار توفيق باشا فى دعم ثورة 1919، ذكر السياسي المصري فخري عبد النور في مذكراته أنه خلال نوفمبر 1918، اعتزم سعد زغلول النهوض بعبء المطالبة بحقوق مصر فى مؤتمر السلام فى باريس، بعد مشاورات كان يجريها سعد زغلول مع زملائه لتشكيل وفد، ينوب عن المصريين فى مقابلة المعتمد البريطانى فى مصر وكانت النواة الأولى لهذا الوفد تضم سعدا وبعض زملائه من أعضاء الجمعية التشريعية وهم على شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك ومحمد محمود باشا وأحمد لطفى السيد بك ومحمد على علوبة بك، وتعددت اجتماعاتهم واتصالاتهم إلى أن تحدد موعدهم لمقابلة السير ونجت المعتمد البريطانى فى الثالث عشر من نوفمبر سنة 1918 وبالفعل تمت المقابلة التاريخية التى كانت الشرارة الأولى للثورة.
وأضاف "عبدالفتاح"، أنه لما كانت تنقص الهيئة السياسية الجديدة الصفة القانونية فى المطالبة بحق الاستقلال والجلاء، فقد بدأ الوفد يستكتب التوقيعات من مختلف أفراد الشعب، هيئاته وجماعاته بتوكيله فى الدفاع عن القضية المصرية والمطالبة بحرية البلاد واستقلالها وأقبل الشعب على توقيع التوكيل إقبالا منقطع النظير.
120 سائحا يرتادون البالون الطائر بمحافظة الأقصر اليوم
إبان تلك الأحداث ظهر دور الصعيدي توفيق باشا أندراوس، يشير المؤلف إلى دور توفيق في ثورة 1919، بأنه روى للحاضرين بنادي رمسيس ما سمعه من علي شعراوي عن الوفد ومقابلة السير ونجت ودار الحديث حول هذه الحركة التى أخذت تثير اهتمام الرأى العام على الرغم من الرقابة والأحكام العرفية وكان الحاضرون من أعيان الأقباط ومثقفيهم ومفكريهم، فلاحظوا أن أسماء أعضاء الوفد التى ذكرت بعرائض التوكيلات التى توزّع فى البلاد، ليس بينها اسم أحد من الأقباط ورأوا أن هذا لا ينبغى أن يكون، وأنه لابد من استكمال هذا النقص، وقرروا انتداب ثلاثة من الحاضرين للذهاب إلى سعد باشا وعرض هذا الموضوع عليه واختير الثلاثة فعلا وكان فخرى عبدالنور أحدهم، أما الآخران فهما ويصا واصف المحامى وعضو الحزب الوطنى وتوفيق أندراوس من أعيان الأقصر وطلب الثلاثة تحديد موعد لمقابلة سعد باشا فى بيت الأمة للتحدث معه فى هذا الأمر وتحدد الموعد بالفعل.
ورحّب بهم سعد باشا ترحيبا كبيرا، وأعرب عن اغتباطه بالفكرة التى حضروا من أجلها ودار الحديث حول اختيار عضو أو أكثر من الأقباط فى الوفد وأكد توفيق أندراوس «أن الوطنية ليست حكرا على المسلمين وحدهم» فسرّ سعد باشا وقبّله على هذه الكلمة، وعاد توفيق فأكد أن العنصرين اللذين تتألف منهما الأمة المسلمين والأقباط يعملان بتفكير واحد، ورأى واحد، فيما يحقق مصلحتهما فى الحصول على الاستقلال وأخيرا، أبلغ الثلاثة سعد باشا أن المثقفين والوجهاء من الأقباط انتدبوهم لإبلاغه أن الحائز للصفات المطلوبة لعضوية الوفد، سواء من حيث الثقافة، أو الثروة، أو الجاه، هو واصف بطرس غالى، ثانى أبناء بطرس غالى باشا، فاغتبط سعد باشا لهذا الاختيار، وأعرب عن ثقته وتقديره لعلمه ومكانته.
يقول الدكتور عبد الجواد عبد الفتاح، إن توفيق باشا توفي عام 1935 م، وفي ذكرى الأربعين لوفاته حضر الزعيم مصطفى النحاس رئيس الحكومة حفل تأبين توفيق باشا بكنيسة العذراء وألقى خطبة شديدة الوطنية في تأبين توفيق باشا.