الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قصائد عربية.. "مرثية رجل عظيم" صلاح عبد الصبور

صلاح عبد الصبور
ثقافة
صلاح عبد الصبور
الأربعاء 14/يوليو/2021 - 09:09 ص

كان يريد أن يرى النظام في الفوضى
و أن يرى الجمال في النظام
و كان نادرَ الكلام
كأنه يبصر بين كل لفظتين
أكذوبة ميّتة يخاف أن يبعثها كلامُهُ
ناشرة الفودين، مرخاة الزمام
و كان في المسا يطيل صحبةَ النجوم
ليبصر الخيط الذي يلمُّها
مختبئا خلف الغيوم
ثم ينادي اللهَ قبل أن ينام
الله، هب لي المقلة التي ترى
خلف تشَتُّتِ الشكول والصور
تغيُّر الألوان والظلال
خلف اشتباه الوهم والمجاز والخيال
و خلف ما تسدله الشمس على الدنيا
و ما ينسجه القمر
حقائقَ الأشياء والأحوال
و تسألونني: أكان صاحبي؟
هل صحبة تقوم بين سيدٍ عظيم
و خادمٍ محتال؟
مرثية صديق كان يضحك كثيرا
كان صديقي
حين يجىء الليل
حتى لا يتعطَّن كالخبز المبتل
يتحول خمرا
تتلامس ضحكته الأسيانة في ضخكته الفرحانة
طينا لمَّاعًا أسود
أو بلورا
و يخشخش في صوت الضحكات المرسَل
صوت كتكسُّر قشر الجوز المثقل
كنا نتلاقى
أو بالأحرى نتوحد، كل مساء
في قاع الحانة
كالأكواخ المتقاربة المنهارة
و الريح من الشباك المترب للشباك المترب
تتسكّع بين فراغات الأشياء
يتنحَّى كلٌّ منا عن موضعه للجار الأقرب
لا عن أدب وحياء
بل خوفا أن تختل الدورة
إذ نتصادم أو نتلاقى
كلمات، أو أذرعة، أو آلاما، أو أهواء
حذرا أن نهتز ونتفتَّح
يتقارب كلٌّ منا في داخله كالأجَمِ الفارغ
فإذا مال تنحنح
كان صديقي في ساعات الليل الأولى
يتجول في بلدتهِ
كانت بلدتُه ساعات الليل الأولى
و يجمِّع من مهجته المنثورة
أو من بهجته المكسورة
ما ذاب نهارا في أسفلت الطرقات
يترشَّفُه قطرات...قطرات
حتى يمتلىء كما تمتلىء القارورة
يتعمَّمُ بالختم الطينيِّ اللمَّاع على عينيه الطيبتين
ينقش فوق نداوته المحبورة
صورةَ كون فياض بالضحكات
يتدحرج نحو الحانة
يتعثَّر في أيدينا مختارا
يهوي مسفوحا
يتأرَّج عطرا، ريحا، روحا
يجعلنا أحيانا نضحك كالخمر الصفراء
إذ ندرك أان الأشياء المبذولة، مبذولة
و الأشياء العادية، عادية
و الأشياء الملساء، مجرد أشياء ملساء
يجعلنا أحيانا نضحك، إذ يضحك كالخمر السوداء
إذ يبصر في ورق الشجر المتهاوي
موتَ البذرة
أو يتحسَّسُ بلسان الحكمة، واللامعنى
حين يمصُّ ثنايا امرأة في قُبلتها الأولى
جدرانَ الجمجمة النخِرة
كنا، وصديقي، في آخر ساعات الليل
نتحول عاصفة مخمورة
تتخدد فوق ملامحنا
تجعلنا نهتزُّ ونتفتَّح
تجعلنا نتكسَّر
حتى نبدو كتلا متشابهة، متكررة، متآلفةً
من إنسان فرد متكثِّر
مات صديقي أمس
إذ جاء إلى الحانة، لم يُبصر منا أحدا
أقعى في مقعدهِ مختوما بالبهجة
حتى انتصف الليل
لم يُبصر منا أحدا
سالت من ساقيهِ البهجة
و ارتفعت حكمته حتى مسَّت قلبَه
فتسمَّم بالحكمة
غاب الندماء، فلم يقدر أن يتحول خمرا
و تفتَّت مثل رغيف الخبز.

 

صلاح عبد الصبور،  هو محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى، المولود في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق، بالشرقية، وهو أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية، كما يعدّ واحدًا من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، خاصة في مسرحيته "مأساة الحلاج"، له العديد من الأعمال الهامة، مثل مأساة الحلاج، وبعد أن يموت الملك، وليلى والمجنون، ودواوين أقول لكم، وأحلام الفارس القديم، وغيرها من الأعمال العامة، وتوفي صلاح عبد الصبور في 14 أغسطس 1981.
 

تابع مواقعنا