شعراء الكدية (6).. أبو دلف الخزرجي "متشيع ارتحل في طلب المال"
شهد العصر العباسي ظاهرة أدبية، هي شعر الكدية أي التسول والتكسب بالشعر، ومثّل هذ النوع من الشعر مجموعة من الشعراء الهامشيين في المجتمع، وكان شعرهم انعكاسًا لحياتهم الاجتماعية من الفقر وبؤس الحال.
ومن بين شعراء الكدية أبو دلف الخزرجي وهو مسعر بن مهلهل ولد نحو عام "300هـ، وهو "أبو دلف الينبوعي الخزرجي نسبة إلى ينبوع النخل وهي إحدى مراكز العلم في ذلك العصر، كان شاعرا رحالة وتجاوز التسعين من عمره منتقلا في البلاد، وكان يتردد إلى الصاحب بن عباد"، وتميز شعره بالظرف والطرافة.
وأهم ما يعرف عن أبي دلف إنه كان متشيعا لآل البيت وشعره لا يزيد عن قصيدتين: الأولى اسمها القصيدة البرذونية، أما القصيدة الأخرى فهي القصيدة الساسانية، بالإضافة إلى مجموعة من الأبيات المتناثرة.
أما القصيدة البردونية " فهي أرجوزة ظريفة كان سبب إنشائها أن الصاحب أوعز إلى مجموعة من الشعراء رثاء برذون أبي عیسی بن المنجم"، وكان من بين هؤلاء الشعراء الشاعر أبو دلف الذي رثاه بارجوزة تمتاز بالظراف والطرافة فيها روح الفكاهة يقول أبو دلف:
يا غائبا طال به الغياب... لا خبر منك ولا كتاب
وقد غدا الاصطبل والجناب... يبكيك والسائس والبواب
أما القصيدة الساسانية فقد ضمنها الشاعر ألفاظا غريبة، واصطلاحات واشتقاقات في أنواع الكدية والاحتيال وتشويه الشكل للخداع، وألفاظ في أفانين الكدية، وضروب المخادعة وأساليب تحصيل المال، ويذكر فيها غرائب المشاهدات، وتبقى الروح الفكاهية سارية في أبياتها كلها.
والقصيدة الساسانية في الأصل معارضة القصيدة الأحنف العكبري التي ضمنها أخبار المكديين، ولقد جرى أبو دلف فيها على أسلوب العكبري، يقوله:
جفون دمعها يجري.... لطول الصد والهجر
وقلب ترك الوجد ... به جمرا على جمر
لقد ذقت الهوى طعمين ... من طق ومن مر
وصف المكديين
ثم يتطرق الشاعر إلى المكديين وأنواعهم ويصف حيلهم في التكدي وأسماءهم يقول:
فنحن المرزقانيون... لا ندفع عن كبر
همو شتي فصلني عن... هم بينك نو خبر
ومنا الكاع والكاعة والشيشق في النحر
وتضمنت القصيدة ألفاظا غريبة منها المرزقانيون يقصد به المكديين المتكسبين بالشعر، والكاع هو من يدعي الجنون، والشيقشق هي تعاويذ يستخدم الكديون في التكدي والتسول بالشعر.
وأيا كان الأمر فإن شعر دلف الخزرجي ومن على شاكلته من شعراء الكدية يمثل تصويرا للحالة الاجتماعية التي وصل إليها حال بعض طبقات المجتمع في العصر العباسي.