أحمد كريمة: ينبغي تعميم حفظ القرآن حتى الدراسات العليا.. وحركات التغريب وراء تراجع اللغة العربية | حوار
* ندرس تراثا يتحدث عن معارك قديمة بلا طائل ولا فائدة
* فؤاد المهندس والريحاني لعبوا دورا كبيرا في تصوير معلم اللغة العربية بهذا الشكل الهزيل
* ينبغي كتابة الروشتات باللغة العربية وتعريب علوم الطب والهندسة
نمر هذه الأيام بذكرى الاحتفال بـ اليوم العالمي للغة العربية، حيث تحتفل جميع البلدان العربية والإسلامية بهذا اليوم، بإقامة العديد من الفعاليات الثقافية والتوعوية، من أجل حث الناس على التوجه لتعلم اللغة العربية التي تعد إحدى أهم لغات العالم.
واللغة العربية إحدى لغات الأمم المتحدة المعتمدة، فهي تعتمد من العالم العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية، لكن ورغم هذا، مرت اللغة العربية خلال القرنين الماضيين، بالكثير من العثرات، وأخذت في التراجع في البلدان العربية، حيث نجد معظم سكان البلدان العربية لا يستطيعون التحدث باللغة العربية الفصحى بشكل سليم.
من هذا المنطلق، أجرينا في القاهرة 24، حوارا مع العالم الأزهري الكبير، الأستاذ الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، ليحدثنا عن اللغة العربية، ويعطينا رأيه في بعض الأمور المتعلقة بها، وإلى نص الحوار.
- هل ديننا الحنيف حث على دراسة اللغة؟
اللغة العربية، هي لغة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله به النبوات، وأكمل به الرسالات، وفضله على الكائنات، واللغة العربية هي اللغة التي أنزل الله بها قرآنه الكريم، وهي اللغة التي نطق بها سيدنا جبرائيل عليه السلام طوال ثلاثة وعشرين سنة، وهو يبلغ القرآن الكريم بألفاظه وأساليبه، المحفوظة والمنقولة إلينا نحن المسلمين.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم عن اللغة العربية، لغة كتابه العزيز «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» في سورة القيامة، وقال في سورة طه، «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا»، كما وصف الله القرآن الكريم في عدة مواضع، قائلا: بلسان عربي مبين.
هل هناك في آثار النبي وأصحابه ما يدعو إلى تعلم اللغة العرية والاهتمام بها؟
بالطبع اهتم الصحابة جميعهم باللغة العربية، حتى الأعاجم منهم، ومنهم سيدنا سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، ومارية القبطية، وغيرهم، حيث حرصوا على تعلم وإجادة اللغة العربية، للحفاظ على تلاوة وفهم القرآن الكريم.
كما نص العلماء على أن اللغة العربية شرط في تلاوة القرآن الكريم بألفاظه الذي نزل بها، سواء في الصلوات، أو في غير الصلوات، وهذا ما كان سببا في خروج اللغة العربية من حيز ضيق، وهو شبه الجزيرة العربية، إلى مملكة فارس وما بعدها إلى أواسط آسيا، وإلى مصر وإلى شمال إفريقيا، وإلى الساحل الشرقي من إفريقيا، بفضل هذا الكتاب، المنزل باللسان العربي المبين.
- في الفترة الماضية، ظهر اقتراح أثار الجدل والاختلاف، وأحدث انقساما بين تأييد البعض ومعارضة آخرين، وهو أن يتم تعميم القرآن الكريم كمادة أساسية، على جميع مؤسسات التعليم، ليحفظه الطلاب من أجل تحسين لغتهم العربية، فهل تتفق معه؟ وما هي الحلول التي تراها من أجل رفع المستوى اللغوي؟
أقول بأن دستور مصر نص على أن الإسلام دين الدولة، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وبطبيعة الحال الأزهر الشريف، هو المؤسسة الدينية المعتمدة في الشؤون الإسلامية، ومن هنا يجب تعميم تحفيظ القرآن الكريم، في المؤسسات التعليمية كلها، بدءًا من الحضانة، إلى المتوسط، والإعدادي والثانوي، حتى الجامعي، ومرحلة الدراسات العليا.
وأرى أنه يجب تعريب التخاطب باللغة العربية، فمن العيب أن توجد الكثير من اليافطات واللافتات بمختلف المسميات والتوجهات، بغير اللغة العربية، وللأسف نجد بعض العلوم، تكون مصطلحاتها بلغات غير العربية، فأرى أن الطب مثلا ينبغي أن يعرب، بمصطلحات عربية، وتكتب الروشتات باللغة العربية، فلا بد من تعريب الطب، وتعريب العلوم المختلفة كالهندسة والفيزياء والكيمياء، إلى آخره.
وقد كانت دولة سوريا سباقة إلى هذا الأمر، فقطعت في هذا المضمار شوطًا كبيرًا، فعربوا الطب والهندسة ومختلف تلك العلوم، فاللغة العربية واسعة، ولن تضيق، ويرحم الله الشاعر الكبير حافظ إبراهيم، الذي قال: أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
ومن هذا المنطلق أدعو إلى تعريب العلوم المدنية في مصر، وإلى تعميم تحفيظ القرآن الكريم، مع مراعاة المراحل السنية في المؤسسات التعليمية، وأرجو من السادة القائمين على بعض المؤسسات المعينة في الدولة، في مدارسهم الخاصة، احترام لغة البلد، ودستور البلد، المكتوب بالعربية، والذي يستوحي تشريعاته من القرآن الكريم الكتاب العربي المبين.
- هناك كثير من خطباء المساجد ومن يتصدرون العمل الإعلامي لا يستطيعون الحديث باللغة العربية بشكل سليم.. ما سبب تلك الظاهرة؟ وهل هو تقصير من المؤسسات القائمة عليهم؟
بالنسبة لهؤلاء الناس، سواء كانوا من الدعاة أم من الإعلاميين أو من غيرهم، ممن يخطئون في اللغة العربية، فالسبب لا يرجع إلى المؤسسة التي تُعنى باللغة العربية، ولكن بأسلوب التعليم والتدريس، فَعلى سبيل المثال هناك مُؤسسات تُعنى بالتراث، وتناقش المعارك التي ليس لنا بها علاقة الآن، مثل المعارك بين البصريين والكوفيين، فيخرج الدارس بلا طائل، والأولى التدريب والتطبيق على الإعراب والنطق الصحيح، وعلى المعامل اللغوية الصوتية الصحيحة.
أما ما يُدرس في المدارس التي تعتني بالتراث، فـ للأسف الدخول في مساجلات ما بين مدارس تراثية لا وجود لها، أدى إلى نفور الدارس من اللغة العربية.
وأضيف إلى ذلك، المؤامرة الخبيثة التي استمرت من منتصف القرن الماضي، وهي مؤامرة عملت عليها العديد من الجهات، حينما صوروا معلم اللغة العربية تصويرا مخزيا، وطبعًا نجيب الريحاني وفؤاد المهندس لعبوا دورًا كبيرًا في تصوير شخصية معلم اللغة العربية، ولا تزال الصورة قاتمة، والأجور متدنية لمعلمي اللغة العربية، حتى أصبح اتجاه الكثيرين نحو تعلم اللغات الأخرى لضمان دخل أعلى.
- هل هناك تقصير من المؤسسات العامة أو من الأفراد أدى إلى تراجع العربية؟
هناك بعض المقلدين المنبطحين يجلسون في مجالسهم العامة، يتشدقون بعبارات، وكلمات من اللغات الأخرى، نراه بدلا من قول كلمة مثل قواعد يقول grammar، هذا أدى بطبيعة الحال بشكل أو بآخر إلى ضعف اللغة العربية والابتعاد عنها، ونجد بعض المؤسسات الحكومية والخاصة، مثل الطيران، فحجز الطيارة يكون بالإنجليزية، وأسألهم أنا، هل بريطانيا تحجز طيرانها باللغة العربية؟
- بشكل دائم هناك هجوم شرس على اللغة العربية، هل ترى سبيلًا للدفاع أمام هذا الهجوم؟
هناك كثيرون يهاجمون اللغة العربية، ووراء ذلك العديد من الأصابع الخفية، من المستشرقين، وقوى مخابراتية عالمية، للتشكيك في اللغة من جهة، وأيضا، ذريعة إلى الهجوم على الدين نفسه، وهذا معروف بأنه حركات تغريب للعرب، وهناك الكثير من الأسماء الكبيرة ممن ظهروا في القرن الماضي، تلوك ألسنتهم بالفرنسية على وجه الخصوص، ولا ننسى بعض المستشرقين، الذين كانوا وراء تجنيد هؤلاء.