الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المقرأة.. الحنين وحلم العودة في قصيدة إلى أمي لـ محمود درويش

محمود درويش
ثقافة
محمود درويش
الإثنين 21/مارس/2022 - 09:18 م

الشِّعر، شُعور وحس، والقصائد مرايا النفوس، فلسفةُ البشري، واختزاله الواسع الرحب، بعض القصائد تعادل أعمارًا، وبعض الأبيات تغيِّر أفكارًا، ومنها ما يجعلك في انتشاء لا يعادله انتشاء، تراقص إحداها روحك، وأخرى تكفكف دمعك، وثالثة تنزفه حتى آخره، ولأهمية الشعر في التاريخ البشري، وتأثيره على أفكار ومعتقدات مجتمعات كاملة، وضعت اليونسكو يوما عالميا للاحتفال بالشعر، وهو 21 مارس من كل عام.

وإلى جانب ذلك، يحتفي العالم العربي، بمرور عيد الأم، والذي يصادف أيضًا 21 مارس من كل عام، وللأم في حياة الكثير من الأدباء والشعراء، فضل كبير، ومكانة خاصة، فهي التي تغنى باسمها الكثير من شعراء العالم، ودارت حولها معاني قصائدهم، وعلى مدار تاريخ الشعر الطويل، كانت الأم، إحدى أعمدة الشعر، وإحدى ملائكة إلهام الشعراء في كافة العصور.

واليوم نقرأ معكم إحدى القصائد العربية الشهيرة، التي ارتبطت بالأم، والتي جسد فيها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، علاقة الأم بالأبناء، وتعلق الأبناء بالأمهات، وبـ أشيائهن  البسيطة، التي تستطيع أن تكون المُعين، والوطن، والأمل، حتى في أحلك الظروف وأقساها.

ظروف كتابة إلى أمي

كُتبت القصيدة، من وحي موقفًا حقيقيًا، أراد الشاعر أن يصور أحداثه بقصيدته، حيث كان درويش رهن اعتقال السلطات الإسرائيلية، مُلقى في إحدى زنازين القمع الصهيوني، وعندما علمت أمّه، السيدة حورية، ذهبت مسرعة، إلى مكان احتجازه، وفي يدها خبز وقهوة من البيت، كما يفضل درويش، وعند وصولها، فتشها الحرس، فوجدوا الخبز والقهوة، فقرروا مصادرة ما تحمل، ومنع دخول تلك الأشياء.

والدة محمود درويش من جنازته

حاولت أم محمود درويش باستماتة، وبكل ما أوتيت من قوة، حسب تعبير درويش، الذي كان يسمع من داخل زنزانته، تلك المعركة الطاحنة، لإيصال الخبز الذي أحضرته أمه، والقهوة التي يحبها، وكان درويش يظن طيلة فترات طفولته، أن أمه لا تحبه، لأنها كانت تقسو عليه في بعض الأحيان، لكن عندما انتصرت أمه أخيرا في معركة الدخول للقاءه، أقبلت عليه تبكي، وأقبل هو يقبل يديها، وكان ذلك الموقف، كفيلا لتغيير مشاعره، وعند رحيلها، أمسك درويش بورق علبة السجائر، حيث لم يكن لديه أوراق، وكتب عليه تلك القصيدة الملهمة، والرسالة التي أراد إخراجها «إلى أمي».

وإلى نص قصيدة إلى أمي:

 

أحنُّ إلى خبز أمي

وقهوة أُمي

ولمسة أُمي..

وتكبر فيَّ الطفولةُ

يومًا على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأني

إذا مُتُّ،

أخجل من دمع أُمي!.

الحنين، نزوع الصب لـ من أحب، لهفة الروح واشتياقها، وهنا كان اختيار درويش الأمثل، للفظ الحنين، الذي عبر به، عن لوعته من فراق أمه وأشياءها، تلك اللوعة التي ساهمت جدران السجن في ازدياد اشتعالها، وتذكية نيرانها.

أشياء بسيطة، كان من الممكن ألا يشعر بقيمتها لولا مروره بتلك المحنة، التي حرمته من خبز أمه اليومي، وقهوتها التي تصنعها له بالطريقة التي يفضلها، رائحة فلسطين، التي اعتادها، روتين الطفولة والصبا، لمسة أمّه التي حال بينه وبينها جدار السجن، ويد السجان.

يسترجع درويش طفولته، يستدعيها، يدمجها مع الحاضر المرير، ودموع أمه التي تُنزف الآن على أبواب زنزانته، لينتابه الشعور الجارف بـ محبة حياته، وعمره، فهي التي تبكي وبينها وبينه أمتار، وتبكي عندما فتحت الأبواب لتلقاه، فماذا إذا صار للعدم؟ وطاله الفناء؟، كيف يكون الحال وهي تقف أمام قبره، وليس فقط زنزانته؟.

 

 خُذيني، إذا عدتُ يومًا

وشاحًا لهُدْبِكْ

وغطّي عظامي بعشب

تعمَّد من طهر كعبك

وشُدّي وثاقي..              

بخصلة شعر..

بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك..

عساني أصيرُ إلهًا

إلهًا أصيرْ.

إذا ما لمستُ قرارة قلبك !

المجاز سيد الموقف؛ يوجه درويش إلى أمه مجموعة من الطلبات التي تتجسد في «خذيني، وغطي، وشدي» فهو يريد السمو، ولن يحدث ذلك إلا بالاندماج في خطو أمه، يريدها أن تستبدل لحم جسده، بعُشب حمل أقدامها، نالته طهارتها ونقاوتها وملائكيتها، ليصير شخصا جديدا بالكلية.

يكفيه خصلة شعر، كي تعينه على مسيرة سموه، يكفيه خيط هرب من ذيل ثوبها؛ فهو بتلك الأشياء، يستطيع التحول من سجين، إلى قديسا وإله، وهذا كله في إطار حالم، عبر عنه بأول جملة، وآخر جملة، حيث أنه بدأ طلباته بـ إذا عدت، فهنا شك واضح في أمر تلك العودة، وفي الختام قال متعجبا، إذا ما لمست قرارة قلبك!، وهذا من قبيل المبالغة، النابعة عن مرارة يحيها درويش في زنزانته.

 

ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقودًا بتنور ناركْ...

وحبل غسيل على سطح دارك

لأني فقدتُ الوقوف

دون صلاة نهارك

العودة، ثم خلق حياة جديدة، الخروج من ظلمات الزنزانة إلى نور الحياة، الاندماج في الغير، كلها أشياء يعبر عنها درويش، فهو يريد أن يصير الوقود، من أجل أن يحترق، استعدادا للإنشاء الجديد، وحبل الغسيل الذي تعتليه السماء، يزوره النور أولا قبل أرصفة الشوارع والطرقات، وهذا للدلالة على فرط الاشتياق للنور والحياة والبدء من جديد.

 

هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافير

درب الرجوع...

لعُشِّ انتظارِك!        

يحمل ذلك المقطع العديد من المعان، وفيه استرجاع للماضي، واستحضار لأيام خلت، وفيه حلم العودة والرجوع، لأمه، وللأرض، وللوطن، وما أدفى من العش ليدلل به على بيته، ووطنه، وحنان أمه المنتظرة بشوق ولهفة؟.

تابع مواقعنا