الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لماذا بعث الله نبيًّا أميًّا خاتمًا للرّسل (صلى الله عليه وسلم)

الأحد 03/أبريل/2022 - 05:48 م

في الحديثِ الصحيح الذي رواه البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم خرَجَ مِن المدينةِ هو وأصحابُه في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهِجرةِ مُتوجِّهًا إلى مكَّةَ يُريدُ العُمرةَ، وكان ذلك في ذَي القَعْدةِ، فرَفَضَ أهلُ مَكَّةَ أنْ يَدخُلَها حَتَّى صالَحَهم عَلى أنْ يَرجِعَ في عامِه هذا، ثمَّ يَعودَ العامَ المقبِلَ، وعلى أنْ يُقيمَ بمكَّةَ ثَلاثةَ أيَّامٍ فقطْ. وسُمِّيَ صُلْحَ الحُدَيبيةِ، وهي قَريةٌ كَبيرةٌ سُمِّيَتْ بِبئرٍ هناكَ، وتُعَدُّ الآنَ ضاحيةً مِنْ ضواحي مكَّةَ.

 


فَلَمَّا كَتَبوا الكِتابَ كان ممَّا كَتَبوه وتَصالَحوا عليه: «هذا ما قاضَى عليه»، أي: هذا هو العَهدُ الَّذي صالَحَ عليه وعَقَدَه «مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ»، فَقالوا: لَوْ كُنَّا نَعلَمُ ونُؤمِنُ بِرِسالتِك ما مَنَعْناك عَن البَيْتِ، ولَكِن الَّذي نَعرِفه عَنْكَ أنَّك مُحمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ، الَّذي هو اسْمُك واسمُ أبيكَ المَعروفُ عِنْدَنا، فَقالَ: «أنا رَسولُ اللهِ، وأنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ»، فلا مانِعَ مِن كِتابةِ أيِّهما، ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علِيًّا رَضيَ اللهُ عنه -وكان كاتِبَ المعاهَدةِ: أنْ يَمحُوَ كَلمةَ «رَسولُ اللهِ» مِن الصَّحيفةِ، فامْتَنَعَ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه عن إجابةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أمْرِه، ولكنْ إعظامًا وتَقديرًا ونُصرةً له أمامَ المشركينَ، فأخَذَ رَسولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم الكِتابَ، فمَحاها بيَدِه بعْدَ أنْ أشارَ له علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه إليها؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أُمِّيًّا لا يَقرَأُ ولا يَكتُبُ، ثمَّ أمَرَ علِيًّا رَضيَ اللهُ عنه، فَكَتَبَ: «هذا ما قاضَى عليه مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ»، أي: ما صالَحَ عليه، وهو أنَّه لا يَدخُلُ مَكَّةَ سِلاحٌ يَحمِلُه أحدٌ إلَّا مَحفوظًا في جِرابِه، وألَّا يَخرُجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مكَّةَ بِأحَدٍ مِن أهْلِها إنْ أرادَ أنْ يَتَّبِعَه على الإسلامِ بلْ يُبقِيه في مكَّةَ، وألَّا يَمنَعَ أحَدًا مِن أصحابِه أرادَ أنْ يُقيمَ بِمَكَّةَ، فرَجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ أنْ تَحلَّلَ هو وأصحابُه مِن عُمرتِهم تلك، كما ثَبَتَ في الرِّواياتِ، ثمَّ عاد في العامِ التَّالي ودَخَلَ مكَّةَ.

الشاهد في الحديث أن النبي لما قصد تمرير الصلح على شروط المشركين، تزل على شرطهم ومحا صفة نبوته من المعاهدة -بعد أن أشار علي ابن أبي طالب إليها- مما يدل على أن النبي لم يميزها.

 

فالثابت عنه أنه لا يقرأ ولا يكتب، وهي حالة استثنائية بالنسبة للرسالة التي حملها الله إياها، إذا دحض الحق بهذا التقدير والتصريف ادعاء أن النبي كتبها، حتى لما قالوا وروى الحق على لسانهم "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا" لم يجد المفسرون تأويلا لها إلا ما يدور في فُلك رَمي وجحود بغير العقل والمنطق، فهم يعلمون أنه لا يكتب ولا يَخط قرطاسًا، فلما ذكر لهم ما كان موجودا عندهم من حديث الأولين بكتبهم السماوية، كما كشف الله ما أضمروا -كما تعلمون حضراتكم في تفسير تلك الجزئية- وعقّب الحق بعدها: قُل -يا رسول الله- أنزله الذي يعلم السر -نيتكم- في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما -فتح لكم بابا لمن تاب عما علمه الله داخل قرارة نفسه.


كما قال الحق مؤكدا الفرضية ذاتها: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته، لكي يفرق كل لبيب بين أمية النبي والحكمة منها ومغزاها، وأمية من دونه وإرساله له فيهم لتعليمهم، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون، وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون، وغيرها من الآيات في الصدد ذاته ترسخ وتؤطر المعنى ذاته.

ولعل هذا يستدعي أيضا التفكير في قضية: هل السّماع والنقل والتواتر لأي كلام -إلهي أو بشري- أوثق من الكتابة، وهل الحفظ له ضوابط لنقل نصوص مقدسة؟ ولعل هذا ما قد تدور عنه الكتابة في مقبل الكلمات خلال الشهر.

 
ولعل الأهم الذي يتبادر للذهن كيف تصبح الأمية محمودة في حق رسول الله ويذكر ذلك في الذكر الحكيم ومسبة لمن سواه؟
ولكن لما قال الحق: وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما، أدرك بعضنا ماذا تعلم النبي وماذا حاو وبماذا تفضّل.

تابع مواقعنا