سياق أوسع للحوار الوطني!
هي جمهورية جديدة، تخرج من عباءة الشخصية المنثنية على نفسها، كمارد يحمل أحلاما ثاوية في الأعماق، وقلبا فطرته الوحدة، ولسانا تيبس من النأي عن الجمع، أو الالتفاف حول الذات، وهي في ذلك الخروج إنما تشبه نفسها، شخصيتها الأصيلة، التي طالما كانت عليها، لكن الظروف أرهقتها، ومنعتها أن تثبت نفسها في زمن العجز والاختبار.
هي مصر التي إذا حاورت العالم غلبته، وإذا تحاور أهلها، تفقهوا في أمور وطنهم، فاستطالت في قلوبهم العزة، واندملت في أرواحهم جروح الماضي، وقد تجددت تلك القوة في قلب الوطن بدعوة رئاسية، عبر حوار جامع شامل شفاف يجمع الفرقاء، إن وجدوا، ويقرب الأحبة أينما وجدوا.. إذ كانت تسعى القيادة إلى «نموذج مصري»، أكثر أصالة يعتمد على الوطنية رأسا وقدما، لا مجال فيه لخلاف المصالح أو النظرات الضيقة المرتابة.
وبقليل من جفاف المصطلحات، يمكن التعبير بحب عن سياق أوسع للحوار الوطني، يتضمن فهما أكثر دقة، وأفصح رؤية، لما يقتضيه في إطار تحولات بدأت من العام 2014، استفادت فيها البلاد من فجوة سقطت داخلها منذ يناير 2011 حتى يوليو 2013، فجوة كبرى خلقت حالة من الفوضى والتشرذم، إلى حد تهديد هوية الدولة والمجتمع بسبب الخلل في ترتيب الأولويات، والاختزال المشوه لعملية التحول الديمقراطي في البلاد في قضايا فرعية لا تعبر عن توجه حقيقي لبناء ديمقراطية حقيقية مستدامة، تقوم على العلاقة التكاملية مع قضية التنمية باعتبارها القضية الأكثر إلحاحًا.
إن أي خروج متجاوز لتلك الرؤية من التحاور، إنما يخلف ثغرة في هوية الحوار الوطني، وهدفه الرئيس، بل خللا في الإرادة الوطنية، التي بالضرورة نظرت إليها القيادة السياسية عندما أطلقت الدعوة من أجل الجميع، دعوة لا خلاف فيها أو عليها، تحمل صالح الوطن حملا إلى مائدة المختلفين من أجل الوطن، لتضع «ميزان قسط»، لا يأتيه باطل الإرهاب أو الفساد، أو الخلاف، أو الديكتاتورية، أمام المحبين لبلادهم، فيزن لهم أفكارهم، لتوضع بعدها في جسد الوطن، طيبة مخلصة باقية بقاء الأمة، نامية نماء الأجيال على امتدادها.
حوار وطني، هو ما يستهدفه المجتمعون.. حوار وطني بمخرجات نهائية تستهدف محاور واضحة، تمثل أساسا لبناء أولويات وطنية خلال المرحلة المقبلة، بل ترنو إلى بناء التوافق بين القوى السياسية المندمجة في الحوار، وهو ما ظهر جليا في أولى الجلسات الرسمية الأحد، بعد جلسات مجلس الأمناء، التي مثلت بدورها فرصة مهمة للتواصل المباشر بين ممثلين عن تيارات سياسية وفكرية مختلفة؛ كان التوافق فيما بينها هو القاعدة الأساسية التي حكمت عملها خلال مرحلة الإعداد للحوار، بدءًا من التوافق على القواعد المنظمة له، وانتهاء بالتوافق على أجندته.