لا تصدق كل ما تسمع ولا كل ما ترى
قديمًا قال الأديب الأمريكي إدجار آلان بو جملته الشهيرة: "لا تصدق كل ما تسمع، وصدق فقط نصف ما ترى"، وكانت دائمًا تلك المقولة حاضرة لنتريث قليلًا قبل تصديق أي شيء نسمعه أو نراه.
الآن وبعد أن أصبحنا نعيش في بداية ثورة الذكاء الاصطناعي الذي لازال في مراحله المبكرة أقول إن تلك المقولة تحتاج إلى تغيير، فالآن يجب ألا تصدق كل ما تسمع ولا كل ما ترى.
في البداية دعني أذكر لك خبرًا أن منصة شهيرة للموسيقى على الإنترنت حذفت منذ أسابيع آلاف الأغاني التي تم صناعتها بواسطة الذكاء الاصطناعي عن طريق إعادة إنتاج صوت مشاهير الغناء، وقد تم هذا الحذف بعد شكوى الشركات المنتجة صاحبة حقوق الإنتاج لهؤلاء المغنيين والمغنيات، السؤال هنا هل هذا سيمنع انتشار تلك الأغاني أو تلك التقنية؟ بالطبع لا، حيث ستجد تلك الأغاني -إن جاز لنا تسميتها بذلك- مكانا لها وسط فضاء الإنترنت الواسع الخارج عن سيطرة أي شخص أو جهة بشكل كبير.
قبلها وفي أواخر العام 2022 باع الممثل الأمريكي بروس ويلز حقوق إنتاج أفلام له باستخدام تقنية التزييف العميق Deepfake، وهذه التقنية باختصار هي إنتاج مقاطع فيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي وتطبيقات توليد الصور باستخدام الكمبيوتر CGI لتصبح قريبة جدًا من الحقيقية ويصعب على المشاهد العادي التفرقة بينها. لقد أدرك بروس ويلز مبكرا أن استخدام تلك التقنية سيكون جزءا أساسيا من الإنتاج الفني واتخذ خطوات سريعة للاستفادة من ذلك، قبل أيام قليلة أيضًا قال الممثل الأمريكي توم هانكس أنه سيتمكن من عمل أفلام بعد موته في إشارة للتقنية الحديثة التي أشرنا لها سابقًا.
وعلى صعيد آخر، فقد أعلنت أكبر شركتين لإنتاج أجهزة الهواتف النقالة سامسونج وآبل وأنهما سيستخدمان تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد أعلنت سامسونج أنها بصدد إضافة خاصية تمكن المستخدم من الإجابة على المكالمات الواردة له بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي التي ستعيد توليد صوته للرد على بعض المكالمات إذا أرد المستخدم ذلك وتحويل فقط المكالمات التي تحتاج لرد حقيقي منه، أما شركة آبل فقد أعلنت منذ أيام أنك ستقوم فقط بتدريب هاتف الآيفون الخاص بك لمدة 15 دقيقة لمرة واحدة وبعدها سيكون لدى الجهاز إمكانية توليد صوتك في أي شيء سواء كان إرسال رسائل صوتية أو عمل بعض المهام كقراءة الرسائل والمقالات لك.
إن ظهور كل تلك التقنيات ونحن لا زلنا في هذه المرحلة المبكرة من ثورة استخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيكون له تأثير أكبر بكثير من تأثير الأسلحة النووية أو الثورة الصناعية في أوروبا، فالذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل في التأثير على كل مناحي الحياة، من أول فرص العمل وتغيير شكل الوظائف وصولًا إلى أكثر المجالات حساسية وتعقيدًا كالمجالات الطبية والعسكرية.
لقد أصبحت الإنسانية مهددة بالفعل، وهذا ليس مجرد رأي شخصي لي ككاتب للمقال ولكن بشهادات متخصصين في الذكاء الاصطناعي مثل العالم البريطاني الكندي جيوفري هينتون عرّاب مجال الذكاء الاصطناعي في العالم والذي كان يعمل لدى شركة جوجل لأكثر من عقد كامل، فلقد قال في تصريحات منذ أسابيع إنه استقال من منصبه لكي يكون قادرًا على التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، وقد قال في مقابلة له: "من الصعب أن تمنع البعض من استخدامه لأشياء سيئة".
إن ما نحتاجه الآن ليس منع استخدام وسائل الذكاء الاصطناعي فلقد أصبح أمرا واقعا بعد أن غادر القطار المحطة بالفعل ولكن علينا العمل بشكل سريع على التأكد من سياسات السلامة المتبعة في هذه التقنيات في كل المجالات، كما يجب الاستعانة بالخبراء في هذا المجال لوضع حلول واقتراحات لكيفية الاستفادة من هذه التقنيات مع محاولة.. فقط المحاولة لتقليل المخاطر المحتملة.