الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

يوم الحساب 2024

الإثنين 19/فبراير/2024 - 05:59 م

حاولت على مدار مقالات عدة أن أشير في خضم حديثي إلى أن استمرار البحث والتساؤل عن حلول للأزمة الاقتصادية التي نعايشها، غير مجدٍ على الإطلاق، بل على العكس يشتت الجهود والاهتمامات في آليات الإنقاذ التي يفرضها أي تفكير علمي سليم، لكن مع كل مقال أنشره تأتيني تساؤلات عديدة عن رؤيتي للحل، وعليه لزم الحديث تفصيلا هذه المرة.

وقبل أن أدخل في التفاصيل، أريد أن أشير إلى بعض أحداث الأسبوع المنصرم ومنها ما طرحته الدكتورة عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، في لقائها مع الإعلامي مصطفى بكري، والذي طالبت فيه بضرورة اتباع قواعد الاقتصاد المستقرة وآليات دعم الاقتصاد الكلي، وأيضا حديثين للدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي مع كل من: الإعلامية البارزة لميس الحديدي والإعلامي الكبير إبراهيم عيسى، حيث لمست تلك الحوارات لب ما يتحدث فيه العديد من المتخصصين، وما أطرحه هنا وهناك منذ سنوات.

أيضا يحضرني المشهد الغاضب الذي لاقاه وزير التموين الدكتور علي المصيلحي خلال افتتاح أحد معارض أهلا رمضان، والذي يعكس حجم ما وصل المواطن واهتماماته، وكذلك بعض المقترحات التي طرحها البعض في الحوار الوطني بشأن حل أزمة العملة من خلال تحصيل المخالفة بالدولار، والتي قد تكون في تقريري مجدية مع قواعد التدبير المنزلي، أما الاقتصاد فبالطبع لا.

فالمواطن يطالب بحلول لما يعانيه وهذا حقه، أما الدولة فلا تتعامل مع صلب الأزمة وتحاول إطفاء الحرائق دون أن تقرب مصدر الاشتعال، وعليه "تفتكس" حلولا لتخرج أطروحات مشوهة تربك الموقف أكثر، وهذا كله يحدث لأن هناك حالة من رفض الاقتناع بأن الدولة ليست أمام أزمة عارضة لكنها متجذرة في المسار ذاته.

ذلك المسار الذي أشار إليه المفكر العظيم الدكتور جلال أمين -رحمه الله-، في كتابه “قصة الاقتصاد المصري”، الذي سرد في صفحات الفصل المعنون “يوم الحساب (1986)” وصف أقرب لما نعايشه الآن، في دلالة صارخة على أن المسار الاقتصادي المبني على استدانة ثم توسع في إطار اقتصاد غير منتج يفضي لنفس الواقع ولو تغيرت الأزمنة والشخوص.

كتاب قصة الاقتصاد المصري

وللأسف، فهناك من يتصور أن الحلول تكمن في محاربة أزمة السكر أو إطلاق مبادرات لتخفيض الأسعار، وتصدير أزمة العملة للمواطن أو تقليل الاستيراد، ولهم عذرهم في ظل تغذية الموقف والرأي العام بمشكلات ليست من صلب الأزمة بما يحصر الاهتمام فيها دون التوجه إلى المرض الحقيقي وهو ما يعانيه الاقتصاد الكلي.

فالمشكلة التي يعانيها الوضع في هذه الأعراض الكثيرة هي أزمة مسار وعدم اهتمام ببديهيات علم الاقتصاد والإدارة، وعليه فالمشهد ممتلئ بحالة من “الهبد” والبحث عن حلول في صورة "تخريجات" و"افتكاسات"، رغم أن الاقتصاد ليس من عادته الاستجابة للأوامر وكذلك السوق لا يستجيب للتضييق والتعامل الخشن، لكنه عبارة عن تفاعلات ومسارات ويستجيب فقط للتعامل مع المؤشرات.

كما أن إدارة العملية الاقتصادية غير متشابهة مع قواعد إدارة مشروع، خاصة وأنها عملية مستمرة لها أساس ومناورات معلومة واجبة الاعتبار، أما اختزال الأزمة في البحث عن الحلول في الوقت الذي لا يتم الاعتراف فيه بحقيقة المشكلة، فهو هدم لفكرة العلم ذاته.

فطالما اقتصر الاهتمام على البحث عن حل للدولار، فهذا اعتراف ضمني بأنه المشكلة الرئيسية، وأيضا طالما تجري محاولات فرض تسعيرة جبرية وتخفيض أسعار، فهذا اعتراف ضمني بعدم وجود أزمة تضخم سببها السياسة المالية التوسعية والسياسة النقدية الرخوة، وهي أمور لم تعد مخالفة للحقيقة فقط، بل للمنطق أيضا.

كما أنه بدون العمل على حل إشكاليات الاقتصاد الكلي على المدى القصير من خلال الإسراع في إيجاد سيولة دولارية خلال صندوق النقد الدولي والإفصاح عن الخطط مثل رأس الحكمة وخلافه - فهي ليست سر-، ثم العمل على سحب سيولة البنك المركزي لدى الحكومة لمحاربة التضخم، فسوف يظل الوضع قائما بأزمته ومليئا بأطروحات أكروباتية تزيد الطين بلة.

أيضا هناك أساسيات للتعامل على المدى الطويل، منها استعادة وحدة الموازنة، وتوفير استقلالية قرار البنك المركزي، واتباع سياسات تقشفية فورا، ودعم التحول لاقتصاد تشغيلي من خلال تبتي خطة شاملة كرؤية 2030 مثلا، وبدونها فسوف يكون الاقتصاد معرضا لذات الأزمة وأشد منها لاحقا.

وبالتوازي مع مسارات المدى القصير والطويل، هناك حاجة إلى الاعتبار للتبعات الاجتماعية الناجمة عن الوضع، بتفريغ النظام الاقتصادي من ما يعرف بالـ moral hazard، وهو تعبير اقتصادي مهم يعرّف الوضع الذي يكون فيه الفاعل الاقتصادي لديه حافز لزيادة تعرضه للمخاطر لأنه لا يتحمل التكاليف الكاملة لتلك المخاطر.

ومن أفضل الأمثلة على هذا التعبير هي للأزمة المالية الأمريكية في 2008، حينما غرقت بنوك كبيرة وخسرت المليارات من أصولها "الفاعل"، وتدخلت الحكومة الأمريكية وأنقذتهم، وكذلك الدولة المصرية في هذه المرحلة فلديها مستوى عالي من هذا النوع من المخاطرة الاقتصادية على مستوى المسئولين التنفيذيين، والأمثلة لا حصر لها وعلى رأسها قرارات المركزي في 2022 في بداية الازمة الحالية، ولكن في النهاية المواطن هو من يدفع الثمن وحده.

آمل ألا تستمر حالة تسطيح الأزمة في التساؤل عن الحلول فقط، خاصة وأن لب ما نعانيه لا خلاف عليه اقتصاديا، وهو بالضبط ما أوجزه أحد المغردين بأن "الدولة جربت كل الحلول إلا الحلول الاقتصادية"، فالحل يتطلب اعتبارا لقواعد الاقتصاد والإدارة وقبلهما الكف عن “الهبد”!

تابع مواقعنا