جابر عصفور.. حكاية مفكر تأثر بطه حسين وخاض معاركه من أجل التنوير
استيقظت مصر أمس على خبر وفاة الدكتور والمفكر المصري الكبير جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، عن عمر ناهز الـ 77 عاما، وذلك بعد أن تعرض لوعكة صحية شديدة، رحل على إثرها.
جابر عصفور الشاب الطموح المتميز
ولد جابر عصفور في 25 مارس من العام 1944، بالمحلة الكبرى، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، قسم اللغة العربية، حيث حصل في يونيو من العام 1965، على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ليبدأ بعدها مشواره الأكاديمي الكبير، فحصل على درجة الماجستير من جامعة القاهرة في يوليو 1969، بتقدير ممتاز، عن رسالة بعنوان الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ثم على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عام 1973.
عمل عصفور في العديد من المناصب في سلك التدريس الوظيفي، بدأ حياته معيدا بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، من 19 مارس 1966، وبعد حصوله على الماجستير، ترقى وأصبح مدرسا مساعدا من 29 نوفمبر من العام 1969، ثم بعد حصوله على الدكتوراه أصبح مدرسا بالقسم من 18 يوليو عام 1973، وشغل منصب أستاذ مساعد بكلية الآداب من 11 أكتوبر عام 1978، ثم أصبح رئيسا لقسم اللغة العربية في كلية الآداب، عام 1990.
لم تتوقف حياة جابر عصفور الأكاديمية عند الجامعات المصرية، وعمل في العديد من أرقى الجامعات العالمية، ففي أغسطس من عام 1977، عمل أستاذا زائرا للأدب العربي، بجامعة وسكونسن، بالولايات المتحدة، وعمل أستاذا زائرا للنقد العربي، في جامعة استكهولم السويدية، سبتمبر 1981، وأستاذا زائرا بجامعة هارفارد للنقد العربي، 1995، وعام 2001.
لماذا يكره المتعصبون جابر عصفور؟
منذ إعلان خبر وفاة الدكتور جابر عصفور، وكانت هناك عاصفة مضادة من الآراء الشامتة، التي لا تتفق مع منهج الدكتور جابر عصفور العلمي، وأخذ الكثيرون في ترديد بعض الكلمات والآراء التي نسبوها إليه.
كان لجابر عصفور العديد من الآراء الصادمة والصريحة، والتي لا تتفق مع الكثيرين، منها رأيه في الأزهر بشكل عام، بأنه لا يستطيع بشكله الحالي إحداث تغيير جذري في قضية تجديد الخطاب الديني، كما علق على العديد من القضايا المثارة التي رد الأزهر عليها بحزم، ومنها قضية الطلاق الشفهي، وكان رأيه أنه لا بد من توثيق كل حالات الطلاق.
رفض جابر عصفور بشكل واضح، وقاطع، المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن الدين الإسلامي، هو دين الدولة الرسمي، وكان يقول إنه عندما وضع الدستور المصري للمرة الأولى 1923، لم ينتبه أحد لموضوع دين الدولة، حتى تقدم شيخ الأزهر، وقال بأنه ما دام أن مصر ذات أغلبية مسلمة، فلا بد أن توضع مادة دين الدولة الإسلام.
كان خلاف عصفور مع هذه المادة بسبب أنه رأى أنها تصنع نوعًا من التمييز العنصري، فالدولة تشمل كل مواطنيها بجميع انتماءاتهم، وتلك المادة حسب رأيه، تعطي شعورا لدى البعض بأنه أفضل من غيره وأعلى شأنا، وبسبب هذا يحدث اضطهاد، ويحدث فتنة طائفية.
لماذا جابر عصفور مثقف لا يعوض؟
يعد جابر عصفور من كبار النقاد المصريين في التاريخ الحديث، ورآه البعض امتدادا لطه حسين والشيخ شاكر، سعى عصفور طيلة حياته العلمية لصياغة نقد معاصر ومناسب للحداثة وحركة الأدب العالمية، أعاد عصفور في أعماله تقديم الأدب والتراث العربي، على المناهج الحديثة التي وصل إليها الغرب، مطبقًا ما درسه ورآه بنفسه في جامعات الغرب، وخرج لنا بالكثير من الأعمال التي تناقش التراث، تدعو إلى تجديده، الاعتناء به، لا هدمه كما يروج البعض، والعديد من الأعمال التي تناولت المذاهب والاتجاهات العالمية الحديثة.
رأى جابر عصفور أن الثقافة العربية حالتها صعبة، ولا بد من تدخل عاجل لإيجاد حل، ويقول في لقاء صحفي أجراه مع مجلة الثقافة المغربية، إن قيمة الثقافة العربية، ليست كبيرة على المستوى العالمي، وأرجع ذلك إلى ما أسماه اللطخ السوداء التي لطخت وجه الثقافة من المنحرفين من أبنائها، ومن المتربصين من الأعداء.
ترك لنا العشرات من الأعمال النقدية المهمة، ومنها مفهوم الشعر.. دراسة في التراث النقدي، والتنوير يواجه الظلام، ومحنة التنوير، ودفاعا عن التنوير، وهوامش على دفتر التنوير، وأنوار العقل، وآفاق العصر، ونظريات معاصرة، واستعادة الماضي، وغواية التراث، وفي محبة الشعر، ونقد ثقافة التخلف، ودفاعا عن التراث، وغيرهم من الأعمال التي أثرت المكتبة العربية بالفكر والأدب.
جابر عصفور وطه حسين
تأثر جابر عصفور خلال حياته منذ شبابه، بعميد الأدب العربي، وكان بالنسبة إليه المرشد في طريق الأدب العربي، وحامل السراج، فيخصص له فصلا كاملا في سيرته الذاتية، يتحدث فيه عن العميد وفضله عليه وعلى الثقافة والأدب العربي، فهو الذي أمر بأن يكون التعليم حقا للجميع كالماء والهواء.
يقول جابر عصفور متحدثا عن العميد: مرت الأيام والصبي جابر يجتهد في دروسه، حتى تحقق له جزء من حلم أبيه، وأصبح طالبًا في قسم طه حسين، إلا أنه أصيب بالإحباط عندما علم بأن طه حسين لن يقوم بالتدريس له.
يقول عصفور: عرفت كتب طه حسين منذ مطلع الصبا، وكان لكتاب الأيام تأثير السحر على حياتي، ويضيف عن العميد: فهو الذي حقق مجانية التعليم، والتي أدخلت الفقراء من أمثالي إلى المداس الحكومية، وهو المدافع عن التقدم والاستنارة في مواجهة رموز التخلف والجهل التي ورثتها الثقافة المصرية والعربية.
التقى مع العميد من خلال الدكتورة سهير القلماوي، والتي كانت معجبة بأعمال جابر، ويقول عن ذلك اللقاء: كنت أرتجف من الرهبة.
جابر عصفور والمناصب الثقافية
عمل جابر عصفور في العديد من المناصب داخل وزارة الثقافة، على رأسها بالطبع، عندما شغل منصب وزير الثقافة عام 2014، شغل أمين المجلس الأعلى للثقافة من 1993، وحتى 2007، وشغل منصب القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق، وكان عضو المجلس القومي للمرأة، ومقرر لجنة الثقافة والإعلام، وعضو المكتب التنفيذي بالقومي للمرأة منذ تأسيسه، وعضو لجنة الآداب والدراسات اللغوية بمكتبة الإسكندرية، ومدير المركز القومي للترجمة.
تكريم المثقف الكبير جابر عصفور
تلقى الدكتور جابر عصفور العديد من الأوسمة والتكريمات من العديد من الهيئات المحلية والدولية، حيث حصل على جائزة أفضل كتاب في الدراسة النقدية، من وزارة الثقافة 1984، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي 1985، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الإنسانية، من معرض القاهرة الولي للكتاب 1995، والوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس، أكتوبر 1995، جائزة سلطان بن على العويس الثقافية 1997، جائزة اليونسكو للثقافة العربية 2008، الجائزة التقديرية في مجال الأدب 2007، جائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب 2009، ووسام المكافأة الوطنية من درجة قائد من ملك المغرب 2010.