جَلبِة إبراهيم عيسي ولجنة تأديب الصحفيين
أثارَ نكوصُ الكاتبِ الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى الأخير -بشأن تصريحاته عن حادثة الإسراء والمعراج- لغطًا وجَلبَةً مثلما أثارت سابقَاتها من تصريحاته بنفي الوقائع الثابتة، أو قُل للأمانة التي توافق على صحتها وتواترها كثيرون غير مرة ومن غير جهة واحدة، صدمة وجلبة لدى الجمهور، وذلك خلال أحاديث الإعلامي المتلفزة عبر قناة القاهرة والناس وقنوات أخرى، خرج فيها بشكل واضح وصريح، تشكيكيًا وطعنًا وإرجافًا -كما تبدّى لكثيرين- وتوضيحًا وتنويرًا كما تبدى أيضا للمؤيدين على فترات متباينة.
وربما لا يَخفى على أحد أن إبراهيم عيسى له بصمة مميزة في الحقل الإعلامي، لا سيّما الصحفي منه، فهو صاحب بصمةٍ قويةٍ على أي محتوى صحفي، سواء مطبوع أو مقروء أو غيره، بالإضافة إلى أنه يعد «صاحب أقوى تأثير ظاهرٍ جَلِي في أقل وقت ممكن على أي إصدار صحفي مطبوعًا كان أو إلكترونيًا» ولا نكون مبالغين في ذلك بل نُنزل الرجل مَنزلته ونلبسه ثوبه وهو غَني أيضا عن ذلك، ويشهد له بذلك تجاربه في إصدارات «الدستور والمقال والتحرير» قبل مآلات الإصدارات الأخيرة، وما قضى به الظرف الراهن والمنصرم ولا يتسع المجال لسرده، وهو أمر يعلمه الصديق والعدو والقاصي والداني والكويّس وأخيرا المليّس.
ولكن من وجهة نظري الشخصية، التي ربما تحمِل خطأ أو صوابًا، فإن ما يعيب الإعلامي الأستاذ إبراهيم عيسى في أطروحاته هو أنه يستند فيها لرأيه فقط، ولا شيء غيره، وهذا عوار لو علمتم عظيم، وربما يسعى دائمًا إلى أن يبقى تحت الضوء وعلى المسرح وحده، ووحده فقط، ومما يؤيد هذا التوجه هو ميله إلى تخطي مجالات لا دراية له بها وتحسس أرض بكر لا ناقة ولا جمل ولا علم له بها إلا توظيفها لغرض يعلمه الله، ونحن لا ننكر عليه ذلك إذا كان رأيًا على المستوى الفردي لا يمس معتقدًا ولا مسألة خلافية تستدعي علمًا وإخصائيين، وهو ما يحتاجه أي طرح عقلي يستهدف الوعي -كما يدعي الداعي والمؤيد- أو ربما يستهدف به الترند والشو وجمع التفاعل وتطبيق السيكوباتية المنصورية في أبهى صورها، ونحن لسنا بصدد هذا في هذا المقال، فكم من صوت يعلو ويخبو وكم من رحَى أصدرت جعجعة بلا طحين، ولكن تصدير هذه الأفكار وطرح تساؤل استنكاري عن منطقية وعقلانية حادث الإسراء والمعراج تحديدا، ما هو إلا تشكيك في ثوابت معلومة وواضحة وقُتلت بحثا وكلامًا.
أما الطامة الكبرى، وما أستغربه والأمَرّ من الطرح الشاذ المعتاد كما وصفه كثيرون، هو تراجع الأستاذ إبراهيم عيسى القهقري عن كلامه الذي زعمه في حادثة الإسراء وإنكار قصده أساسا تلك الدلالة، وكما يعلم سوادنا فإن الإسراء هو -المَسِير ليلا- والشاهد هنا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو أمر مسلم به عقيدةً ونزل به نص قرآني قاطع بشأنه لا يقبل التأويل خارج التصديق بالإسراء، وبتراجع إبراهيم عيسى عن رأيه والنكوص الذي حلّ به، ربما كل ذلك جعله يتبدّى أمام المتابع أنه رجل دون مبدأ، وهذا قول تعوزه الدقة، إذ إنه من المفترض تمييزه ورجاحة عقله وثباته على موقفه، وليس طرح الهزل في مجلس الجدّ، هذا إن أراد وعيًا وفكرًا، أما إذا أراد شيئًا آخر فطريقه الحالي هو الأسهل والأقرب.
كما طفَت على السَّطح محاولات لصد «جَلبة» الأستاذ إبراهيم عيسى، وحاول البعض التصدي فعليًّا لما يزعمه الإعلامي إبراهيم عيسى، بالقول والعقل تارة، وبالهجوم غير المنطقي وغير المبرر تارة أخرى، وكان من أبرز التحركات ما قام به محامٍ في محافظة كفر الشيخ، حيث أرسل مُحضرًا إلى نقابة الصحفيين ومجلسها، بوصفهما مسئولِين عن ضبط أداء أعضاء نقابة الصحفيين، والتزامهم بمواثيق الشرف، وطالب فيه بإحالة الإعلامي إبراهيم عيسى إلى لجنة التأديب، وإن كان طرحه تلزمه الدقة والتسلسل المنطقي أيضا من تحقيق لجنة نقابية في الأمر ومن ثم إحالته حال الإدانة إلى لجنة التأديب، واللجنة وأعضاؤها الموقرون سواء هذه أو تلك لا أظن أن التوفيق سيكون حليفهم حال ترك الحبل على الغارب، فاشتراكم والإدلاء بدلوهم في تلك القضية وغيرها مهم وحيوي ومفيد للجنة وشخوصها قبل أن يكون مفيدًا لأعضاء النقابة.
وعلى الجانب الشخصي، فإن هذا الطرح يأتي في محلِّه وتلازمه الوجاهة، وذلك لعدة أسباب:
أولا لأن النقابة هي المسئولة عن مساءلة أي عضو عن ميثاق شرفي وضعته توافقًا مع أعضائها ومدى التزام العضو به، ولا جهة غيرها وجب عليها الإسراع في ذلك.
وثانيا أن نقابة الصحفيين بتفعيل دورها ستحفظ هيبةَ أعضائها من المثول أمام جهات التحقيق قبل تحري وتقصي الحقيقة بنفسها، والتمهيد عن الدفاع عن العضو بوثائق التحقيق الرسمية إن ارتأت براءة ساحته، أو أداء دورها وحسب دون النظر لأي اعتبارات أخرى، وإن كان هذا لا يُعفي العضو من المثول أمام جهات التحقيق بعد مثوله أمام نقابة الصحفيين، ولكن أن تكون البادرة لنقابة الصحفيين بالتحقيق مع أعضائها فهو أمر يعطي انطباعًا للرأي العام والمجتمع أن النقابة تضطلع بدورها وبشئون أعضائها، ويعكس حال النقابة الصحفية والبيت الصحفي في محاسبة وترتيب البيت داخليا عند إثارة أي مشكلة أو قضية أو طرح لعضو ربما أساء لباقي أفراد صاحبة الجلالة، ويحمّل غيره تَبعات طرحه الشاذ.
ثالثا، أن هذه ليست المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة.. التي يتطرق فيها الإعلامي إبراهيم عيسى إلى أمور مثيرة للجدل دون حجة، ويكون ظاهرها تعليم الناس وتنويرهم وباطنها الله أعلم به؛ وعليه فإنه يلزم نقابة الصحفيين أن تحيله إلى اللجان المختصة التي نُظمت لممارسة دورها تشريعيًّا وخدميًّا، ويؤدون الأمانة التي حمّلتها لهم الجماعة الصحفية، ولا أعتقد أن هناك حسابات أخرى تدار بها الأمور.
والأسئلة التي تطرح نفسها حاليا والإجابة عنها ربما تغنينا عن كثير مستقبلا:
علامَ بنى إبراهيم عيسى زعمه بإنكار الإسراء والمعراج؟ هل بناه على شيء من الدين؟ بالطبع لا؛ فهو ينكر وجود شيء في الدين يؤيد حدوث الإسراء والمعراج، بل اعتمد في هذا على المنطق العقلي فقط، واعتمد على منطق عقلي ضعيف وواهن وكان مبدأه في أساس مبناه أن هذه الأحاديث والروايات ضعيفة وتناقض المنطق، وهو شيء يؤخذ على المسلم أن يُقاس أمر عقدي بمنطق عقلي ربما تضل النتيجة فيه، وتصل إلى نتيجة مدلِّسة أو مدلَّسة، والطبيعي أن يستضيف أو يستحضر المعنيين سواء لتعزيز توجهه أو دحض الحجج المقابلة.
ولِمَ انسلَّ الأستاذ إبراهيم عيسى من رأيه بل ورمى من أثبته عليه بعد رؤيته وسماعه عِيانًا بيانًا؟.
وختاما، فإن تعليقي على ظهور الإعلامي إبراهيم عيسى على القنوات التليفزيونية وإثارته الجدل ونفي المسلمات وضرب الثوابت والظهور بشكل ضد التعصب والتشنج والتمسُّح بالدين، في حين أنه أول من يركب قطار التناقض -من وجهة نظري- في إحالة الأمر إلى أهل الذكر -بلاش أهل الذكر لو حتزعّل- أو أهل الاختصاص، خليها الهيئات التي نصّ عليها الدستور من مؤسسات تُعنى بالشأن الديني ومنها: الأزهر، دار الإفتاء، مجمع الشؤون الإسلامية، هيئة كبار العلماء، -لم ولن يحدث- وبل عندما يصدُر أمر أو تعليق من قِبل الهيئات الدينية نجد أن إبراهيم عيسى هو أول من يستهجن هذا الأمر، بشكل غير منطقي أو ممنهج أو مدروس، بل هو فقط كلام لا يندرج سوى تحت عباءة غثاء السيل.
وللحديث تتمة وبقية….